اختلاف أهوائهم. وعلى قراءة «فارقوا» بمعنى : تركوا دينهم الذي أمروا به. (شِيَعاً) ؛ أي : فرقا تتابع كلّ فرقة إمامها الذي هو أضلّ دينها. (فَرِحُونَ) ؛ أي : مسرورون ظنّا بأنّه الحقّ. ويجوز أن يجعل فرحون صفة (كُلُّ) على أنّ الخبر (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا). (١)
[٣٣] (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣))
(دَعَوْا رَبَّهُمْ) ؛ أي : إذا أصابهم مرض أو فقر ، دعوا ربّهم مخلصين له في الدعاء. (أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) بأن يعافيهم من المرض أو ينجيهم من الشدّة. (يُشْرِكُونَ) ؛ أي : يعودون إلى عبادة غير الله على خلاف ما يقتضيه العقل من مقابلة النعم بالشكر. (٢)
[٣٤] (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤))
(لِيَكْفُرُوا). ثمّ بيّن سبحانه أنّهم يفعلون ذلك ليكفروا بما آتيناهم من النعم ؛ إذ لا غرض في الشرك إلّا كفران نعم الله. وقيل : إنّ هذه اللّام للأمر على وجه التهديد ؛ مثل قوله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ). (٣) ثمّ قال سبحانه مخاطبا لهم على وجه التهديد : (فَتَمَتَّعُوا) بهذه الدنيا وانتفعوا بنعيمها الفاني كيف شئتم. (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عاقبة كفركم. (٤)
(لِيَكْفُرُوا). اللّام مجاز ، مثلها في (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا)(٥). (٦)
[٣٥] (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥))
(أَمْ أَنْزَلْنا). هذا استفهام مستأنف معناه : بل أنزلنا عليهم برهانا وحجّة يتسلّطون بذلك على ما ذهبوا إليه؟ (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) ؛ أي : فذلك البرهان كأنّه يتكلّم بصحّة شركهم ويحتجّ لهم به. والمعنى أنّهم لا يقدرون على تصحيح ذلك ولا يمكنهم ادّعاء برهان و
__________________
(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٢٠.
(٢) مجمع البيان ٨ / ٤٧٦.
(٣) الكهف (١٨) / ٢٩.
(٤) مجمع البيان ٨ / ٤٧٦.
(٥) القصص (٢٨) / ٨.
(٦) الكشّاف ٣ / ٤٨٠.