قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) ؛ أي أنتم يا هؤلاء المؤمنين تحبّون اليهود الذين نهيتكم عن مباطنتهم للأسباب التي بينكم من المصاهرة والرّضاع والقرابة والجوار ، (وَلا يُحِبُّونَكُمْ) لما بينكم وبينهم من مخالفة الدين ، هذا قول أكثر المفسّرين. وقال بعضهم : معناه : تحبّونهم ؛ أي تريدون لهم الإسلام وهو خير الأشياء ، ولا يحبّونكم لأنّهم يدعونكم إلى الكفر وهو الهلاك. قوله تعالى : (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) ؛ أي تؤمنون بالتّوراة والانجيل وسائر كتب الله ، ولا يؤمنون هم بذلك كلّه ، يعني لا يؤمنون بكتابكم.
قوله تعالى : (وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا) ؛ يعني منافقي أهل الكتاب ، إذا لقوهم قالوا آمنّا بمحمّد أنه رسول صادق فيما يقول ، (وَإِذا خَلَوْا) ؛ فيما بينهم ؛ (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) ؛ أي أطراف الأصابع من الحنق عليكم لما يرون من ائتلافكم وإصلاح ذات بينكم ، وهذا مثل ضربه الله لشدّة عداوة اليهود للمؤمنين. وواحد الأنامل : أنملة بفتح الميم وضمّها. قوله تعالى (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) ؛ ليس على طريق الإيجاب ؛ لأنه لو كان على طريق الإيجاب لماتوا كلّهم من ساعتهم ، لكنّ معناه : تموتون بغيظكم ولا تبلغون أمانيّكم من قهر محمّد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه. قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١١٩)) ؛ أي عالم بما في القلوب من البغض والعداوة وغير ذلك. وفي الحديث عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : [لا تستضيئوا بنار المشركين](١) أي لا تستشيروا المشركين في شيء من أموركم.
قوله تعالى : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها) ؛ قرأ السلمي : بالياء ، ومعنى الآية : إن تصبكم أيّها المؤمنون حسنة بظهوركم على عدوّكم وغلبتكم لهم أو الغنيمة والخصب تسؤهم تلك الحسنة ؛ أي تحزنهم ؛ يعني اليهود ، وإن تصبكم محنة من جهة أعدائكم ونكبة أو جدب يعجبوا بها.
__________________
(١) رواه الإمام أحمد في المسند : ج ٣ ص ٩٩. والنسائي في السنن : كتاب الزينة : باب لا تنقشوا على خواتيمكم عربيا : ج ٨ ص ١٧٧.