قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) ؛ نزلت الآية في الأنصار ؛ كانوا قد ظاهروا اليهود حتى صار كأنّ بينهم نسبا ، وكانوا يواصلونهم ويعاطفونهم حتى كان الرجل من الأنصار يتزوّج فيهم فيختارهم على قومه ، فلما جاء الله بمحمّد صلىاللهعليهوسلم والإسلام وآمن الأنصار بغضهم اليهود ، وكان الأنصار يخالطونهم ويشاورونهم ، كما كانوا يفعلون قبل الإسلام للرّضاعة والمصاهرة التي كانت بينهم ، فنهى الله الأنصار بهذه الآية وما بعدها.
ومعناها : لا تتّخذوا دخلا من غيركم يعني اليهود. وبطانة الرّجل : خاصّته وأهل سرّه الذين يستبطنون أمره ، سمّوا بذلك على جهة التّشبّه ببطانة الثّوب التي تلي جلد الإنسان. وحرف (مِنْ) في قوله : (مِنْ دُونِكُمْ) للتّبيين ؛ أي لا تتّخذوا الذين هم أسافل وأراذل بطانة. قوله تعالى (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) أي لا يبقون غاية ، ولا يتركون الجهد في إلقائكم في الفساد ، يقال : ما ألوت في الحاجة جهدا ؛ أي ما قصّرت ، ونصب (خَبالاً) على المفعول الثاني ؛ لأنه يتعدّى إلى مفعولين (١) ، وإن شئت على المصدر (٢) ، وإن شئت بنزع الخافض ؛ أي بالخبال. والخبال : الفساد ، ومثله الخبل أيضا ؛ يقال : رجل خبل الرّأي ؛ فاسد الرّأي ؛ والانخبال : أي الجنون. وقال مجاهد : (نزلت في قوم مؤمنين كانوا يصافحون المنافقين ويخالطوهم ؛ فنهاهم الله عزوجل عن ذلك) (٣).
قوله عزوجل : (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) ؛ أي تمنّوا إثمكم وضرّكم وهلاككم ، والعنت في اللّغة : المشقّة ، يقال : أكمة عنوت ؛ أي طويلة شاقّة المسلك. وقرأ عبد الله : (قد بدأ البغضاء من أفواههم) بالتذكير ؛ لتقدّم الفعل ؛ ولأن معنى البغضاء : البغض. قوله تعالى : (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) ؛ أي قد ظهرت العداوة من ألسنتهم بالشّتم والطّعن ، (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) ؛ أي وما يضمرون في قلوبهم من القتل لو ظفروا بكم أعظم ممّا أظهروا لكم. قوله تعالى : (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) ؛ أي أخبرناكم بما أخفوا وأبدوا بالدلالات والعلامات ، (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨)) ؛ العدوّ من الوليّ.
__________________
(١) أي : (الألو) يتعدى إلى مفعولين.
(٢) أي : يخبلونكم خبالا.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦٠٧٥) عن ابن عباس ، والنص (٦٠٧٦) عن مجاهد.