مُسَوِّمِينَ) أي معلّمين (١) بالصوف الأبيض (٢) ، وقيل : بالأحمر في نواصي الخيل وأذنابها ؛ أي بيّن لهم من السّماء معلّمين بهذه العلامة. ويجوز أن يكون معنى (مُسَوِّمِينَ) مرسلين من الإسامة وهي الإرسال. ومن قرأ (مسوّمين) بكسر الواو فلأنّهم سوّموا خيولهم.
وقد روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال لأصحابه يوم أحد : [تسوّموا ؛ فإنّ الملائكة قد تسوّمت بالصّوف الأبيض في قلانسهم ومغافرهم](٣). وقال قتادة : (كان على الملائكة يوم بدر سيماء القتال ، وكانوا على خيل بلق) (٤). وقال ابن عبّاس : (كانت يوم بدر سيماء الملائكة عمائم بيض مرخيّة على أكتافهم) ، قال : (ولم يصبر المؤمنون يوم أحد للقتال إلّا قليل منهم ، ولو صبروا لنزلت عليهم الملائكة وأتاهم ما وعدهم الله ، ولكنّهم لم يصبروا ، فلم تنزل عليهم الملائكة). قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم : (مسوّمين) بكسر الواو ، وقرأ الباقون بالفتح.
قوله تعالى : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) ؛ أي ما جعل الله إمدادكم بالملائكة إلّا بشارة لكم ؛ ولتطمئنّ قلوبكم به ، فلا تجزع من كثرة عددهم وقلّة عددكم حتى تثبتوا لأعدائكم. قوله تعالى : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦)) ؛ أي وإن أمدّكم بالملائكة وقوّى قلوبكم ، فليس النصر لكثرة العدد وقلّته ، ولكنّه (مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) أي المنيع في سلطانه ، الحكيم في أمره.
وفي الآية بيان أنّ الإنسان لا يستغني في حال من الأحوال عن الله وإن كثر عدده واجتمع ماله. قال ابن عبّاس : (إنّ الملائكة لم يباشروا القتال إلّا يوم بدر ، فأمّا ما سوى ذلك فإنّها تحضر الصّفّ وتكثّره ولا تقاتل). وقال بعض المفسّرين : إنّ الملائكة لم تقاتل أصلا ولم يبعثوا إلّا بالبشارة ، فلو بعثوا للقتال لكان ملك واحد
__________________
(١) في المخطوط : (معلومين).
(٢) ينظر ما نقله الطبري في جامع البيان النص (٦١٧٢).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦١٦٥).
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦١٦٨).