يكفيهم ، كما فعل جبريل عليهالسلام يوم لوط. وقال بعضهم : إنّ الملائكة كانت تقاتل وكان علامة ضربهم اشتعال النّار في موضع ضربهم ، والله أعلم.
قوله تعالى : (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ) ؛ معناه : ينصركم ليقتل ويستأسر جماعة من الذين كفروا بنقضهم ذلك أو بهزمهم ، (فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (١٢٧)) ؛ أي فيرجعوا منقلبين منقطعين عن آمالهم. والكبت : هو الوهن في القلب ، ويصرع المرء على وجهه لأجله. ونظم الآية : ولقد نصركم الله ببدر (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي لكي يهلك طائفة من الذين كفروا. وقال السّدّيّ : معناه : (ليهدم ركنا من أركان المشركين بالقتل والأسر ، فقتل من ساداتهم يوم بدر سبعون وأسر منهم سبعون).
وقوله تعالى : (فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) أي لم ينالوا شيئا ممّا كانوا يرجون من الظّفر بكم. وقوله تعالى (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) قال الكلبيّ : (أو يهزمهم) ، وقال النّضر بن شميل : (يغيظهم). وقال السديّ : (يلعنهم). وقال أبو عبيدة : (يهلكهم). وقرئ في الشّادّ : (أو يكبدهم) ، يقال : كبده ؛ إذا رماه فأصاب كبده ، والمكبود : المتلهّف (١).
قوله عزوجل : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨)) ؛ وذلك أنه لمّا شجّ النبي صلىاللهعليهوسلم يوم أحد وكسرت رباعيّته ، وقتل سبعون من أصحابه ، جعل يمسح الدّم عن وجهه وهو يقول : [كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيّهم ، وهو يدعوهم إلى ربهم] وهمّ أن يلعنهم ويلعن الذين انصرفوا مع عبد الله بن أبي سلول ، فأنزل الله هذه الآية ينهاه عن اللّعن ، وبيّن أنّ فلاحهم ليس إليه وأنه ليس له من الأمر شيء إلّا أن يبلّغ الرسالة ويجاهد حتى يظهر الدين (٢).
__________________
(١) الملهوف : المكروب ؛ والمكبوت : المهزوم ، والحزين ، بلغ الهمّ كبده ،. والكبت والكبد : شدّة الغيظ. ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ٤ ص ١٩٨.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦١٩٢) عن أنس بأسانيد ، وعن الحسن مرسل في النص (٦١٩٣). وحديث أنس أخرجه مسلم في الصحيح : كتاب الجهاد والسير : الحديث (١٠٤ / ١٧٩١). والترمذي في الجامع : أبواب التفسير : سورة آل عمران : باب (١٠ و١١).