الثّوب على وجهه وخرج ، فإذا هو بعمر يكلّم النّاس ، فقال له : على رسلك يا عمر ؛ أنصت ، فأبى إلّا أن يتكلّم ، فلمّا رآه أبو بكر لا ينصت ؛ أقبل على النّاس ؛ فحمد الله وأثنى عليه ؛ وقال : أيّها النّاس ؛ من كان يعبد محمّدا فإنّ محمّدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت ، ثمّ تلا هذه الآية (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) قال عمر : ما هو إلّا أن سمعت أبا بكر يتلوها إلّا عقرت حتّى وقعت على الأرض ما تحملني رجلاي ؛ وعرفت أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد مات) (١).
قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) ؛ قال الأخفش : (اللّام في النّفس منقولة) ، تقديره : وما كانت نفس لتموت إلّا بإذن الله ، كتب الله عزوجل (كِتاباً مُؤَجَّلاً) أي إلى أجل لرزقه وعمره ، فكلّ نفس لها أجلّ تبلغه ورزق تستوفيه ؛ لا يقدر أحد على تقديمه وتأخيره. في هذه تحريض للمؤمنين على القتال ؛ أي لا تتركوا الجهاد خشية الموت والقتل ؛ فإنّهم لم يملكوا قتلكم. وانتصب قوله (كِتاباً مُؤَجَّلاً) على المصدر كقوله تعالى : (وَعْدَ اللهِ حَقًّا)(٢) و (رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ)(٣) و (صُنْعَ اللهِ)(٤) و (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ)(٥).
قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) ؛ يعني من يرد بعمله وطاعته المدحة والرّياء لا يحرم حظّه المقسوم له في الدّنيا من غير أن يكون له حظّ في الآخرة ، يعني نؤته من الدّنيا ما شاء ممّا قدّرنا له ، نزل ذلك في الذين تركوا المركز يوم أحد طلبا للغنيمة.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) ؛ أي من يرد بعمله الآخرة نعطه منها ما نقسم له في الدّنيا من الرّزق ، نزل في الذين
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٢ ص ٣٣٧ ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن المنذر عن أبي هريرة». وعن عائشة رضي الله عنها ؛ أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب فضائل أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم : الحديث (٣٦٦٧ و٣٦٦٨).
(٢) النساء / ١٢٢.
(٣) الكهف / ٨٢ ، والقصص / ٤٦ ، والدخان / ٦ ، وغيرها.
(٤) النمل / ٨٨.
(٥) النساء / ٢٤.