قوله تعالى : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) ؛ معناه : إنّ الذين يتّبعون رضوان الله ذوو درجات رفيعة ، والآخرون ذوو دركات خسيسة ، فإنّ لأحد الفريقين درجات في الجنّة ، وللآخر دركات في النّار ، والمعنى : أنّ من اتبع رضوان الله ، ومن باء بسخط من الله مختلفو المنازل عند الله ، فلمن اتبع رضوان الله الكرامة والثواب العظيم ، ولمن باء بسخط من الله المهانة والعذاب الأليم. وقال بعضهم : هذه الآية خاصّة في المؤمنين ؛ أي هم طبقات بعضهم أرفع من بعض في الجنّة. قوله تعالى : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣)) ؛ أي عالم بمن غلّ ومن لا يغلّ.
قوله تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ؛ أي لقد أنعم على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا منهم ، وهو النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ بعثه الله من العرب ، معروف النّسب ، عرفوه بالصّدق والأمانة ، وكان يسمّى (الأمين) قبل الوحي ، وقيل : بعثه الله من جنس بني آدم ، ولم يبعثه من الملائكة ؛ لأنه إذا كان من جنسهم كان تعلّمهم منه أسهل عليهم. وقرأ في الشّواذ : (من أنفسهم) بنصب الفاء ؛ أي أشرفهم ؛ لأن العرب أفضل من غيرهم ، وقريش أفضل العرب.
قوله تعالى : (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ) ؛ أي يقرأ عليهم القرآن بما فيه من أقاصيص الأمم السّالفة ، وهو أمّيّ لم يقرأ الكتب. قوله تعالى : (وَيُزَكِّيهِمْ) ؛ أي يطهّرهم من الشّرك والذّنوب ، ويأخذ منهم الزّكاة التي يطهّرهم بها. قوله تعالى : (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) ؛ أي القرآن والفقه ، (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ) ؛ أن يأتيهم محمّد صلىاللهعليهوسلم (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤)) ؛ من الهدى.
والخطاب يبيّن قوله تعالى : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) ؛ أي لمّا أصابتكم مصيبة يوم أحد قد أصبتم مثليها يوم بدر ؛ أي قتلتم يوم بدر سبعين ، وأسرتم سبعين ، وقتل منكم يوم أحد سبعون ، ولم يؤسر منكم أحد.
قوله تعالى : (قُلْتُمْ أَنَّى هذا) ؛ القتل والهزيمة ونحن مسلمون ورسول الله صلىاللهعليهوسلم فينا والوحي ينزل علينا ، وهم مشركون ، (قُلْ) ؛ يا محمّد : (هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) ؛ لمخالفتكم أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالخروج عن المدينة ، وقد كان أمركم بالمقام فيها ليدخل عليكم الكفّار فتقتلوهم في أزقّتها. وقيل : إنّما أصابكم هذا من