المسلمون الذين خرجوا إلى القتال ما قتلوا في الغزو ، (قُلْ) ؛ لهم يا محمّد : (فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨)) ؛ في مقالتكم : لو لم يخرجوا إلى القتال ما قتلوا. قال الفقيه أبو اللّيث : (سمعت بعض المفسّرين يقول : لمّا نزلت هذه الآية مات يومئذ سبعون نفسا من المنافقين).
قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)) ؛ قال ابن عبّاس وابن مسعود وجابر رضي الله عنهم : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [لمّا أصيب إخوانكم يوم أحد ؛ جعل الله أرواحهم في أجواف طيور خضر ترد أنهار الجنّة ؛ وتأكل من ثمارها ؛ وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش ، فلمّا رأوا طيب منقلهم ومطعمهم ومشربهم ، وما أعطى الله من الكرامة ؛ قالوا : يا ليت إخواننا علموا ما أعدّ الله لنا من الكرامة ، وما نحن فيه من النّعيم ، فلم ينكلوا عند اللّقاء ولم يجبنوا في الحرب ، قال الله تعالى : أنا أبلّغهم عنكم ؛ فأنزل الله هذه الآية](١).
وقال جابر بن عبد الله الأنصاريّ : قتل أبي يوم أحد وترك عليّ ثلاث بنات ؛ فقال صلىاللهعليهوسلم : [ألا أبشّرك يا جابر؟!] قلت : بلى يا رسول الله ، قال : [إنّ أباك حين قتل أحياه الله تعالى وكلّمه كفاحا (٢) ؛ فقال : يا عبد الله ؛ سلني ما شئت ، قال : أسألك أن تعيدني إلى الدّنيا فأقتل فيها ثانية ، فقال : يا عبد الله ؛ إنّي قضيت أن لا أعيد إلى الدّنيا خليقة قبضتها ، قال : يا رب فمن يبلّغ قومي ما أنا فيه من الكرامة؟ قال الله : أنا ، فأنزل الله هذه الآية](٣).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦٥٣٥) عن ابن عباس ، والنص (٦٥٣٦) عن ابن مسعود ، والنص (٦٥٣٩) عن جابر بن عبد الله.
(٢) كفاحا ـ بكسر الكاف ـ : أي مواجهة ليس بينهما حجاب.
(٣) أخرجه الترمذي في الجامع : أبواب تفسير القرآن : باب ومن سورة آل عمران : الحديث (٣٠١٠) ؛ وقال : حديث حسن غريب. وابن ماجة في السنن : كتاب الجهاد : باب فضل الشهادة في سبيل الله : الحديث (٢٨٠٠). وأخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦٥٣٩).