كان ما تقول حقّا فإنّ الله فقير ونحن أغنياء. فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة ، وقال : والّذي نفسي بيده ؛ لو لا العهد الّذي بيننا وبينكم لضربت عنقك يا عدوّ الله. فذهب فنحاص إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : يا محمّد ؛ انظر ما صنع بي صاحبكم؟ فقال صلىاللهعليهوسلم لأبي بكر : [ما حملك على ما صنعت؟] فقال : يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ قال قولا عظيما زعم أنّ الله فقير وهم أغنياء ، فغضبت لله تعالى وضربت وجهه. فجحد فنحاص ، فأنزل الله هذه الآية ردّا على فنحاص ، وتصديقا لأبي بكر رضي الله عنه : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ)(١).
قوله تعالى : (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) ؛ أي سيكتب الكاتبون الكرام عليهم بأمرنا قولهم ؛ (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) ؛ بلا جرم لهم فيجازيهم به. وقرأ حمزة والأعمش (سيكتب) بياء مضمومة وفتح التاء (وقتلهم الأنبياء) بالرفع. ونقول ؛ بالياء اعتبارا بقراءة ابن مسعود ، وقال : (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١)) ؛ أي النّار ، وإنّما قال (الْحَرِيقِ) لأنّ النار اسم للملتهبة وغير الملتهبة ، والحريق اسم منها.
قوله تعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢)) ؛ أي يقال للكافرين ذلك بما قدّمت أيديكم على الكفر وقتل الأنبياء صلوات الله عليهم ، وقوله : (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) لا يعذّب أحدا بغير ذنب ولا يمنع أحدا جزاءه حسب استحقاقه خيرا فعله أو شرّا.
قوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) ؛ قال الكلبيّ : (نزلت في كعب بن الأشرف ومالك ابن الصّيف ووهب بن يهوذا وفنحاص بن عازورا ؛ أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا : أتزعم يا محمّد أنّ الله بعثك إلينا رسولا ، وأنزل عليك كتابا ، وأنّ الله قد عهد إلينا في التّوراة : أن لا نؤمن لرسول حتّى يأتينا بقربان تأكله النّار ، فإن جئتنا به صدّقناك. فأنزل الله هذه الآية) (٢).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦٦١٥).
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٤ ص ٢٩٥ ؛ قال القرطبي : «قال الكلبي وغيره : ...».