قرأ محارب بن دثار (١) : (وقاتلوا وقتلوا) بالفتح. وقال يزيد بن حازم : (سمعت عمر بن عبد العزيز يقرأ : وقتلوا وقتلوا ؛ يعني أنّهم قتلوا المشركين ، ثمّ قتلهم المشركون). وقرأ أبو رجاء وطلحة والحسن : (وقتّلوا وقتّلوا) بالتشديد. وقرأ عاصم وأبو عمرو ونافع : (وقاتلوا وقتلوا) بالتخفيف أي قاتلوا ثمّ قتلوا. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائيّ وخلف : (وقتّلوا وقاتلوا) أي وقاتل من بغى منهم ، وقيل معناه : وقاتلوا وقد قاتلوا ؛ وأضمر فيه (قد).
قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ) ؛ أي لا يحزنك ولا يعجبك ، (تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ) ؛ إمتداد هذه الآية خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ والمراد به أصحابه ؛ كأنّه قال : لا يغرّنّك أيّها السامع ذهاب اليهود ومجيئهم في تجاراتهم ومكاسبهم في الأرض ؛ منفعة يسيرة في الدّنيا تنقطع وتفنى ؛ (ثُمَّ مَأْواهُمْ) ؛ مصيرهم إلى ؛ (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧)) ؛ أي بئس الفراش النار.
وقيل : كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم لا يغرّه شيء لتحذير الله إيّاه عن الاغترار بشيء وتأديبه إيّاه (٢). وقيل : نزلت في مشركي العرب ؛ كانوا في رخاء من العيش ، وكانوا ينحرون ويتنعّمون ، فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله فيما نرى من الخير ؛ ونحن قد هلكنا من الجوع والجهد ، فنزلت هذه الآية.
وقرأ يعقوب : (لا يغرّنك) بإسكان النون. قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) أي تصرّفهم في الأرض للتجارات والبياعات وأنواع المكاسب. وقوله : (مَتاعٌ قَلِيلٌ) أي متاع قليل فان. قال النخعيّ : (إنّ الدّنيا جعلت قليلا ؛ وما بقي منها إلّا قليل من قليل).
__________________
(١) محارب بن دثار السدوسي. روى عن ابن عمر وجابر وغيرهما من الصحابة ، فهو تابعي صدوق مأمون. توفرت فيه خصال ست : الحلم ، الصبر ، السخاء ، الشجاعة ، البيان ، التواضع. ترجم له ابن حجر في التهذيب : الرقم (٦٧٥٧). مات سنة (١١٦) من الهجرة.
(٢) عن قتادة قال : «والله ما غرّوا نبيّ الله ، ولا وكّل إليهم شيئا من أمر الله ، حتى قبضه الله على ذلك». أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٦٦٧٤).