وقال الضحّاك : (معنى الآية : يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا على أمر الله). وقال الكلبيّ : (اصبروا على البلاد) ، وقالت الحكماء : الصّبر ثلاثة أشياء : ترك الشّكوى ؛ وصدق الرّضا ؛ وقبول القضاء. وقيل : الصّبر : هو الثّبات على أحكام الكتاب والسّنة.
قوله تعالى : (وَصابِرُوا) الكفّار (وَرابِطُوا) بمعنى داوموا وأثبتوا. قال صلىاللهعليهوسلم : [من رابط يوما في سبيل الله كان كصيام شهر وقيامه ، ومن توفّي في سبيل الله أجرى الله له أجره حتّى يقضي بينه وبين أهل الجنّة وأهل النّار ، ومن رابط يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النّار سبعة خنادق ؛ كلّ خندق منها كسبع سموات وسبع أرضين](١).
قال بعضهم في هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) عند قيام النّفير على احتمال الكرب ، (وَصابِرُوا) على مقاساة العناء والتّعب ، (وَرابِطُوا) في دار أعدائي بلا هرب ، واتقوا عدوّكم من الألتفات الى السّبب لكي تفلحوا غدا بلقائي عند بساط القرب. وقال السري السقطي : (اصبروا على الدّنيا رجاء السّلامة ، وصابروا عند القتال بالثّبات والاستقامة ، ورابطوا هوى النّفس اللّوّامة ، واتّقوا ما يعقب لكم النّدامة ، (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)) ؛ غدا على بساط الكرامة.
وقيل : معناه : اصبروا على بلائي ، وصابروا بالشّكر على نعمائي ، ورابطوا في دار أعدائي ، واتّقوا محبّة من سواي لعلّكم تفلحون بلقائي. وقيل : اصبروا على البغضاء ؛ وصابروا على البأساء والضرّاء ؛ ورابطوا في دار الأعداء ؛ واتّقوا إله الأرض والسّماء ؛ لعلّكم تفلحون في دار البقاء. وعن جعفر الصّادق قال : (معنى هذه الآية : اصبروا على المعاصي ؛ وصابروا مع الطّاعات ؛ ورابطوا الأرواح بالمساجد ، واتّقوا الله لكي تبلغوا مواقف أهل الصّدق ؛ فإنّها محلّ الفلاح). والله أعلم.
آخر تفسير سورة (آل عمران) والحمد لله رب العالمين
__________________
(١) أخرجه الطبراني في الأوسط : ج ٥ ص ٤١٦ : الحديث (٤٨٢٢) عن جابر رضي الله عنه. وفي الدر المنثور : ج ٢ ص ٤١٩ ؛ قال السيوطي : «أخرجه الطبراني في الأوسط بسند لا بأس به».