قوله تعالى : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ) ؛ معناه : ويصلون إلى قوم جاؤكم ضاقت صدورهم أن يقاتلوكم مع قومهم ، (أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ) ؛ معكم وهم بنو مدلج ، (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) ؛ لسلّط قوم هلال بن عويمر ، وبني مدلج عليكم ، (فَلَقاتَلُوكُمْ) ؛ كما قتلتموهم ظالمين لهم ، (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) ؛ أي فإن تركوكم فلم يقاتلوكم مع قومهم ، واستسلموا أو خضعوا بالصّلح والوفاء ، (فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠)) ؛ أي حجّة في القتال وقال أهل النّحو : معنى (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) أي حصرت. و (حَصِرَتْ) لا يكون حالا إلّا بعد (١) ؛ قالوا : ويجوز أن يكون (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) خبرا بعد خبر ؛ كأنه قال : أو جاؤكم ، ثم أخبر بعد فقال : (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ). وفي الشواذّ : (أو جاؤكم حصرة صدورهم) (٢).
وأمّا اللام في (لَسَلَّطَهُمْ) فجواب (لَوْ شاءَ اللهُ) ، واللّام في (فَلَقاتَلُوكُمْ) للبدلية ، والفاء فاء عطف بمنزلة الواو.
وقد روي عن عطاء عن ابن عبّاس : (أنّ هذه الآية منسوخة بقوله (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) بآية السّيف ؛ هي معاهدة المشركين وموادعتهم منسوخة بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)(٣)) (٤). ولأن الله تعالى أعزّ الإسلام
__________________
(١) هكذا في المخطوط. وعلى ما يبدو أنه أراد : أن (حصرت) حال من فاعل (جاؤُكُمْ) ، وإذا وقعت الحال فعلا ماضيا ، الراجح أنه لا يحتاج إلى (قد) لكثرة ما جاء منه ، فعلى هذا لا تضمر (قد) قبل (حصرت). ومن اشترط ذلك قدّرها هنا ، فيكون تقدير عبارة المصنف رحمهالله : «أي حصرت ، وحصرت لا يكون حالا إلا بعد (قد).» حيث ذهب المصنف رحمهالله إلى أن الحال إذا وقع فعلا ماضيا يحتاج إلى اقترانه ب (قد). وفي هذا خلاف ، الراجح فيه ما تقدم أنه لا يحتاج إلى (قد) لكثرة ما جاء منه. والله أعلم.
(٢) حصرة على وزن نبقة ، وهي قراءة تؤيد كون (حصرت) حالا ، ونقلها المهدوي عن عاصم في رواية حفص ، وروي عن الحسن أيضا (حصرات) و (حاصرات). وفي هذا خلاف طويل ، وما ينبغي. ينظر : اللباب في علوم الكتاب : ج ٦ ص ٥٥٣ ـ ٥٥٤.
(٣) التوبة / ٥.
(٤) في الدر المنثور : ج ٢ ص ٦١٣ ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس. وقال : أخرجه أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : [نسختها براءة]». وفي جامع البيان : النص (٧٩٧٠ و ٧٩٧١) عن قتادة ، وفي النص (٧٩٧٢) عن ابن زيد.