وأهله ؛ فلا يقبل من مشركي العرب إلّا الإسلام أو السّيف بهذه الآية ، وقد أمرنا الله تعالى في أهل الكتاب بقتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية بقوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) إلى قوله تعالى : (وَهُمْ صاغِرُونَ)(١) فلا يجوز مداهنة الكفّار وترك أحدهم على الكفر من غير جزية إذا كان بالمسلمين قوّة على القتال ، وأما إذا عجزوا عن مقاومتهم وخافوا على أنفسهم وذراريهم جاز لهم مهادنة العدوّ من غير جزية يؤدّونها إليهم ؛ لأن حظر الموادعة كان لسبب القوّة ؛ فإذا زال السبب زال الحظر.
قوله عزوجل : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ) ؛ معناه : ستجدون قوما آخرين يريدون أن يأمنوكم ، أي يظهرون لكم الصّلح ، يريدون أن يأمنوكم بكلمة التّوحيد ، يظهرونها لكم ، (وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ) ؛ أي ويأمنوا من قومهم بالكفر في السرّ ، (كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها) ؛ كلّما دعوا إلى الكفر رجعوا فيه.
قال ابن عبّاس : (هم أسد وغطفان ؛ كانوا حاضري المدينة ، وكانا يتكلّمان بالإسلام وهما غير مسلمين ، وكان الرّجل منهم يقول له قومه : بماذا آمنت؟ ولماذا أسلمت؟ فيقول : آمنت برب العود ، وبربّ العقرب وبربّ الخنفساء. يريدون به الاستهزاء ، فإذا لقوا محمّدا صلىاللهعليهوسلم وأصحابه قالوا : إنّا على دينكم ؛ وأظهروا الإسلام ، فأطلع الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين على ذلك بهذه الآية) (٢).
قوله عزوجل : (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ) ؛ أي فان لم يتركوا قتالكم ولم يستديموا لكم في الصّلح ، ولم يمنعوا أيديهم عن قتالكم ، (فَخُذُوهُمْ) ؛ أي إسروهم ، (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) ؛
__________________
(١) التوبة / ٢٩.
(٢) في اللباب في علوم الكتاب : ج ٦ ص ٥٥٦ ؛ قال : «قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ... وذكره». وفي المخطوط : (آمنت بهذا العود ، وبهذه العقرب ، وبهذه الخنفساء) وأظنه تصحيفا ، وصححناه كما في اللباب. وأخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان : النص (٧٩٧٤) من طريق آخر ؛ قال : «وذلك أن الرجل كان يوجد قد تكلم بالإسلام ، فيقرب إلى العود والحجر والعقرب والخنفساء ، فيقول المشركون لذلك المتكلم بالإسلام : قل هذا ربي ، للخنفساء والعقرب!» ولعل بهذه الرواية تتضح عبارة الإمام الطبراني فيما ذكره. والله أعلم.