أي حيث وجدتموهم ، (وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (٩١)) ؛ أي أهل هذه الصفة جعلنا لكم عليهم حجة ظاهرة بالقتال معهم ، قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) أي ما كان لمؤمن في حكم الله أن يقتل مؤمنا بغير حقّ إلّا أن يكون وقوع القتل منه على وجه الخطأ ، وهو ألّا يكون قاصدا قتله فيكون مرفوع الإثم والعقاب.
واختلف المفسّرون فيمن نزلت هذه الآية ؛ قال ابن مسعود : (في عيّاش بن ربيعة المخزوميّ ؛ أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكّة قبل أن يهاجر إلى المدينة فأسلم معه ، فخاف أن يعلم أهله بإسلامه ، فخرج هاربا إلى المدينة ؛ فاختفى في جبل من جبالها ؛ فجزعت أمّه جزعا شديدا حين بلغها إسلامه وخروجه إلى المدينة ؛ فقالت لأبيها الحريث (١) وأبي جهل بن هشام ـ وهما أخواه لأمّه ـ : والله لا يظلّني سقف ولا أذوق طعاما ولا شرابا حتّى تأتوني به ، فخرجا في طلبه ، وخرج معهما الحرث بن زيد حتّى أتيا المدينة ، فوجدا عيّاشا في أطم ـ أي جبل ـ فقالا له : إنزل ؛ فإنّ أمّك لم يأوها سقف بيت بعدك ، وقد حلفت لا تأكل طعاما ولا تشرب شرابا حتّى ترجع إليها ، ولك علينا ألّا نكرهك على شيء ؛ ولا نحول بينك وبين دينك ، فحلفوا له على ذلك فنزل إليهم ، فأوثقوه بنسعة (٢) ثمّ جلده كلّ واحد منهما مائة جلدة.
ثمّ قدموا به على أمّه ، فلمّا أتاها قالت له : والله لا أحلّك من وثاقك حتّى تكفر بالّذي آمنت به ، ثمّ تركوه مطروحا موثوقا في الشّمس ما شاء الله ، ثمّ أعطاهم الّذي أرادوا ، فأتاه الحريث بن زيد ، فقال له : يا عيّاش ؛ هذا الّذي كنت عليه ، فو الله لئن كان الهدى لقد تركت الهدى ، ولئن كان ضلالة لقد كنت عليها ، فغضب عيّاش من مقالته ، قال : والله لا ألقاك خاليا إلّا قتلتك.
ثمّ إنّ عيّاشا أسلم بعد ذلك ، وهاجر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المدينة ، ثمّ أسلم بعد ذلك الحريث بن زيد وهاجر إلى المدينة ، ولم يعلم عيّاش بإسلامه ، فبينما عيّاش يسير بظهر قباء إذ لقي الحريث بن زيد فقتله ، فقال النّاس : ويحك يا عيّاش!
__________________
(١) ينظر ترجمته في الاستيعاب : الرقم (٥٢١).
(٢) النّسعة ـ بالكسر ـ : سير مضفور ، يجعل زماما للبعير وغيره.