إنّه قد أسلم ، فرجع عيّاش إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ؛ قد كان من أمري وأمر الحريث ما علمت ؛ وإنّي لم أعلم بإسلامه حتّى قتلته (١) ، فنزل قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) ؛ أي ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا البتّة إلّا خطأ ولا عمدا بحال ، لكن إن قتله خطأ على غير قصد ، أو قتله على ظنّ أنه مباح الدّم فعليه عتق رقبة مؤمنة في ماله ، وعليه وعلى عاقلته تسليم ديّة كاملة إلى أولياء المقتول ، ويكون القاتل كواحد من العاقلة ، وإذا لم يكن له عاقلة كانت الدّية في بيت المال في ثلاث سنين. قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) ؛ معناه : إلّا أن يتصدّق أولياء المقتول ، فيتركوا الدّية ويعفوا.
قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ؛ أي إن كان المقتول خطأ من قوم حرب لكم ، فقتل في دار الحرب وهو مؤمن أسلم في دار الحرب ولم يهاجر حتى قتل ، فعلى قاتله عتق رقبة مؤمنة ، ولم يذكر الدّية لأن دم المقتول لا قيمة له ، إذ لم يحرّز نفسه بدار الإسلام ، وليس هو في صلح المسلمين. وقيل : إنّما لم يذكر الدّية ؛ لئلّا يسلّم إلى أهل الحرب دية فيقوون بها علينا ، وهذا القول يقتضي أنّ الدّية واجبة ، إلّا أنّها لا تسلّم إليهم. وفي وجوب هذه الديّة خلاف بين العلماء.
قوله عزوجل : (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ؛ أي إن كان المقتول خطأ من قوم بينكم وبينهم عهد أو صلح ، فعلى القاتل وعاقلته تسليم ديّة كاملة إلى أولياء المقتول ،
__________________
(١) في اللباب في علوم الكتاب : ج ٦ ص ٥٥٩. وأخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٧٩٨٣) عن مجاهد ، وفي النص (٧٩٨٤) عن عكرمة ، وفي النص (٧٩٨٥) عن السدي مختصرا ومرسلا. وفي السيرة النبوية لابن هشام : ج ٢ ص ١٢٠ ؛ قال ابن هشام : «إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال وهو بالمدينة : [من لي بعيّاش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاص؟ فقال الوليد بن الوليد : (أنا لك يا رسول الله بهما) فخرج إلى مكّة ، فدخلها مستخفيا ؛ ...» وذكر أنه أنقذهما وذكر قصّة سيفه وإصبعه ولم يذكر أن عيّاش ارتدّ وأسلم. وينظر أيضا : الروض الأنف في تفسير سيرة ابن هشام للسهيلي : ج ٢ ص ٣٠١.