وعلى القاتل عتق رقبة مؤمنة. والفائدة في إعادة ذكر المؤمنة : أنه لو لم يعد ذكرها لكان يتوهّم متوهّم أنه لمّا وجب في المؤمن رقبة في مثل صفته تجب أيضا في قتل الكافر رقبة في مثل صفة المقتول.
قوله تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) ؛ أي من لم يجد رقبة مؤمنة ، فعليه صيام شهرين متواليين لا يفصل بين صيامهما. وقوله تعالى : (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) ؛ أي اعملوا ما أمركم الله به للتوبة يتوب الله عليكم ، وهذا نصب على ما يقال : فعلت كذا حذرا من الشّراء.
وإنّما سميت الكفارة توبة ؛ لأن قاتل الخطأ كان عاصيا في سبب القتل من حيث إنه لم يحترز ، وإن لم يكن عاصيا في نفس القتل. ويقال : معنى التّوبة : التّوسعة والتخفيف من الله. قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢)) ؛ أي عليم بكلّ شيء حكيم بما يأمركم به من الديّة والكفّارة ، وقال بعضهم : نزلت الآية في أبي الدّرداء حين قتل راعيا خطأ (١).
قوله عزوجل : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) ؛ قال ابن عبّاس : (نزلت في مقيس بن خبابة ؛ وجد أخاه قتيلا في بني النّجّار ؛ فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكر له ذلك ، فأرسل معه رجلا من بني فهر ، وقال له : [إئت بني النّجّار فأقرئهم منّي السّلام ؛ وقل لهم : رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام أن تدفعوه إلى مقيس يقتصّ منه ، وإن لم تعلموا له قاتلا أن تدفعوا إليه ديّته] فأبلغهم الفهريّ ذلك ، فقالوا : سمعا وطاعة لله ولرسوله ؛ والله ما نعلم له قاتلا ؛ ولكنّا نؤدّي ديته ، فأعطوه مائة من الإبل ، وانصرفا راجعين نحو المدينة وبينهما وبين المدينة قريب ، فوسوس الشّيطان إلى مقيس وقال له : أيّ سبب صنعت بقبول ديّة أخيك فتكون عليك سبّة ، أقتل الّذي معك تكون نفس مكان نفس وفضل الدّية ، فرمى الفهريّ بصخرة فشدخ رأسه فقتله ، ثمّ ركب بعيرا منهما وساق بقيّتها راجعا إلى مكّة كافرا ، وجعل يقول :
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٧٩٨٦) عن ابن زيد.