التي وعده بإيمانه ؛ لأنّ الله تعالى لا يخلف الميعاد ، وترك المجازاة بالوعيد يكون منه تفضّلا ، وترك المجازاة بالوعد يكون خلفا ، تعالى الله عن الخلف علوّا كبيرا.
والدليل على أنّ المؤمن لا يصير بقتله المؤمن كافرا ، ولا خارجا عن الإيمان قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) ولا يكون القصاص إلّا في قتل العمد ، فبينما هم مؤمنين وآخى بينهم بقوله (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ)(١) ولم يرد به إلّا الأخوّة في الإيمان ، والكافر لا يكون أخا للمؤمن ، ثم قال : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) ولا يجعل ذلك للكافر ، ثم أوجب على المعتدي بعد ذلك عذابا أليما لقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) ولم يوقع الغضب ولا التخليد في النار ولا يسمّي هذا العذاب نارا ، والعذاب قد يكون نارا ، وقد يكون غيرها في الدّنيا ، قال الله تعالى : (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ)(٢) يعني القتل والأسر ، ولو كان القتل يخرجهم من الإيمان لما خاطبهم بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، وقال تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا)(٣) الآية واقتتالهم على وجه العمد.
وروي : أنّ مؤمنا قتل مؤمنا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يأمر القاتل بالإيمان ، ولو كان كافرا لأمره أوّلا بالإيمان ، وقال لطالب الدّم : [أتعفو؟] قال : لا ، قال : [أتأخذ الدّيّة؟] قال : لا ، فأمر بقتله ، ثمّ أعاد عليه مرّتين أو ثلاثا حتّى قبل الدّيّة (٤) ، ولم يحكم عليه بالكفر ، فلو كان ذلك كفرا لبيّنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن ذلك كان ردّة تحرم بها زوجته عليه ، ولم يجز على رسول الله صلىاللهعليهوسلم الإغفال عنه ؛ لأنّه النّاصح الشّفيق المنعوت بالتّأديب والتعليم.
__________________
(١) البقرة / ١٧٨.
(٢) التوبة / ١٤.
(٣) الحجرات / ٩.
(٤) أخرجه أبو داود في السنن : كتاب الديات : باب الإمام يأمر بالعفو : الحديث (٤٤٩٩) عن وائل ابن حجر. والنسائي في السنن الصغرى : كتاب القسامة : باب ذكر اختلاف الناقلين بخبر علقمة ابن وائل فيه : ج ٨ ص ١٤.