ودليل آخر أن القاتل لا يصير كافرا : هو أنّ الكفر والجحود والإباء والشّرك إضافة ، والقاتل لم يجحد ولم يأب قبول الفرائض ، ولا أضاف إلى الله تعالى شريكا ، ولو جاز أن يكون كافرا ولم يأت بالكفر لجاز أن يكون مؤمنا من لم يأت بالإيمان.
قال : تعلّقت الخوارج والمعتزلة بهذه الآية ؛ وقالوا : إنّ المؤمن إذا قتل مؤمنا متعمّدا يبقى في النّار مؤبّدا ؛ لأن الله تعالى قال (خالِداً فِيها). يقال لهم : إنّ هذه الآية نزلت في كافر قتل مؤمنا متعمّدا وقد ذكرنا القصّة فيه ، وسياق الآية يدلّ عليه ؛ وروايات المفسّرين تدلّ على أنّها لو سلّمنا بأنّها نزلت في مؤمن قتل مؤمنا فإنّا نقول لهم : لو قلتم إنّ الخلود التأبيد فأخبرونا عن قوله تعالى : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ)(١) هنا في الدّنيا ، فإن قلتم : إنّه أراد التأبيد ؛ فالدّنيا تزول وتفنى ، ومثله (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ)(٢) ، وقوله تعالى (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ)(٣).
وإن قلتم : لم يرد به التأبيد ؛ وذلك القول منكم لا بدّ منه ؛ فقد ثبت أن معنى الخلود غير معنى التّأبيد ، وكذلك العرب تقول : لأدخلنّ فلانا في السّجن ، فإن قلتم : المراد به التأبيد ؛ فالسجن ينقطع ويفنى ويموت المسجون أو يخرج منه ، فإن قالوا : إنّ الله تعالى لمّا قال (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) دلّ على كفره ؛ لأن الله تعالى لا يغضب إلّا على من كان كافرا ، قلنا : هذه الآية لا توجب عليه الغضب ؛ لأنّ معناه : (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) ، وجزاؤه أن يغضب الله عليه ويلعنه ، وما ذكره الله وجعله جزاء الشيء فليس يكون ذلك واجبا ؛ لأنه لو كان على الوجوب لكان كقوله : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ)(٤) وهي لغة العرب إذا قال القائل : جزاؤه كذا ؛ ثم لم يجازه لم يكن كاذبا ، وإذا قال : أجزيه ذلك ولم يفعل كان كاذبا ، فعلم أنّ بينهما فرقا واضحا.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) قال : [هي جزاؤه أن جازاه](٥). فإن قيل : قوله : (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ
__________________
(١) الأنبياء / ٣٤.
(٢) الهمزة / ٣.
(٣) الهمزة / ٣.
(٤) الأنبياء / ٢٩.
(٥) أخرجه أبو داود في السنن : كتاب الفتن : باب تعظيم قتل المؤمن : الحديث (٤٢٧٦) عن أبي مجلز. وفي الدر المنثور : ج ٢ ص ٦٢٧ ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن أبي حاتم وأبو القاسم بن