وَلَعَنَهُ) من الأفعال الماضية ، ومتى قلتم إنّ المراد به : فجزاؤه ذلك أن جازاه كان من الأفعال المستقبلة؟ يقال لهم : قد يرد الخطاب باللفظ الماضي والمراد منه المستقبل كقوله تعالى (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ)(١) أي إلّا أن آمنوا بالله ، ومثله كثير.
وأما قول من زعم : أنه لا توبة لمن قتل مؤمنا متعمّدا ، فإنه مخالف للكتاب والسّنة ، وذلك أن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا ، وأمر بالتوبة منها ، فقال عزوجل (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ)(٢) ولم يفصل بين ذنب وذنب ، وإذا كان الله تعالى يقبل التوبة من الكفر فقبولها من القتل أولى ، وقال تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ...) إلى قوله تعالى (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) الآية (٣) وقال إخوة يوسف : (اقْتُلُوا يُوسُفَ)(٤) ثم قالوا (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) أي تائبين. وسئل النبيّ صلىاللهعليهوسلم : أمن كلّ ذنب يقبل التّوبة؟ قال : [نعم].
ثم المقتول اذا اقتصّ منه الوليّ فذلك جزاؤه في الدّنيا ، وفيما بين المقتول والقاتل الأحكام باقية في الآخرة ؛ لأن الوليّ وإن قتله فإنّما أخذ حقّ نفسه ، وأمّا المقتول فلم يكن له في القصاص منفعة.
قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) ؛ قال ابن عبّاس : (نزلت في مرداس بن نهيك ؛ كان مسلما لم يسلم من قومه غيره ، فسمعوا بسريّة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم تريدهم فهربوا كلّهم ، وأقام الرّجل في غنمه ؛ لأنّه كان على دين المسلمين ، فلمّا رأى الخيل خاف أن يكونوا من غير أصحاب رسول الله
__________________
ـ بشران في أماليه بسند ضعيف عن أبي هريرة». وأخرجه الطبراني في الأوسط : الحديث (٨٦٠١) ، وقال : «تفرد به محمد بن جامع». في لسان الميزان : ج ٥ ص ٩٩ : الترجمة (٣٤٠) ؛ قال ابن حجر : «محمد بن جامع البصري العطار ، قال ابن عدي : لا يتابع على أحاديثه ، وضعفه أبو يعلى».
(١) البروج / ٨.
(٢) النور / ٣١.
(٣) الفرقان / ٦٧.
(٤) يوسف / ٩.