قوله تعالى : (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) ؛ أي أهل هذه الصّفة من المستضعفين ، عسى الله أن يتجاوز عنهم ، و (عَسَى) من الله كلمة إيجاب ؛ لأنه أرحم الرّاحمين ، والفائدة في ذكر هذا اللفظ أن يكون العبد بين الخوف والرّجاء. وقوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩)) ؛ أي لم يزل عفوّا عن عباده غفورا لهم.
قوله عزوجل : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) ؛ أي من يخرج في سبيل الله الذي أمر الله بالهجرة فيه وهو سبيل المدينة ؛ يجد في الأرض متحوّلا كثيرا ومتزحزحا عمّا يكره (١). وقوله تعالى : (وَسَعَةً) أي سعة في الرّزق. وقال قتادة : (سعة في إظهار الدّين) (٢) وإنّما قال ذلك لما كان يلحقهم من الضّيق من جهة الكفّار في إظهار دينهم.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) ؛ قال ابن عبّاس : (لمّا نزل قوله تعالى : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) سمعها رجل من بني اللّيث شيخ كبير يقال له جندع بن ضمرة (٣) فقال : أنا والله ممّن استثنانا الله تعالى فإنّي لا أجد حيلة ، والله لا أبيت ليلة بمكّة ، فخرجوا به يحملونه على سريره ؛ فأتوا به التّنعيم فأدركه الموت ، فصفّق بيمينه على شماله ثمّ قال : اللهمّ إن كان هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فمات حميدا.
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٢ ص ٦٥٠ ؛ نسبه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد. وأخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٨١٤٦): «مندوحة عما يكره». وبإسناد آخر : «مزحزحا عما يكره».
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٨١٥٢) ؛ قال : «إي والله من الضلالة إلى الهدى ، ومن العيلة إلى الغنى».
(٣) في الجامع لأحكام القرآن ج ٥ ص ٣٤٩ ؛ قال القرطبي : «الرابعة : هو ضمرة بن العيص ، أو العيص بن ضمرة بن زنباع ، حكاه الطبري عن سعيد بن جبير ، ويقال : ضميرة أيضا. ويقال : جندع بن ضمرة من بني ليث». وقال : «وحكى أبو الفرج الجوزي : أنه حبيب بن ضمرة. وقيل : ضمرن بن جندب الضمري».