قوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) ؛ أي أهل هذه الصّفة مصيرهم ومنزلتهم جهنم ؛ (وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧)) ؛ لمن صار إليها ، واختلفوا في خبر : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) ؛ قال بعضهم : خبره : (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) ، أي قالوا لهم : فيما كنتم ، قال بعضهم خبره : (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ). وفي قوله تعالى : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) دليل أنه لا عذر لأحد في المقام على المعصية في بلده لأجل المال والولد والأهل ، بل ينبغي أن يفارق وطنه إن لم يمكنه إظهار الحقّ فيه ، ولهذا روي عن سعيد بن جبير أنه قال : (إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها) (١) ، وروي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [من فرّ بدينه من أرض إلى أرض ، وإن كان شبرا استوجب به الجنّة ، وكان رفيق ابراهيم ومحمّد صلىاللهعليهوسلم](٢).
قوله عزوجل : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) ؛ استثناء من قوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) والمعنى : إلّا من صدق أنه مستضعف من الشّيوخ والولدان ونساء لا يجدون نفقة الخروج إلى المدينة ولا يمكنهم الخروج إليها ، ولا يعرفون الطريق حتى يهاجروا ، والمعنى : إلّا المستضعفين المخلصين المقهورين بمكّة لم يستطيعوا الهجرة ، ومنعوا من اللّحوق بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم وهم يريدون اللّحوق به.
وقوله تعالى : (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨)) ؛ قال مجاهد : (معناه لا يعرفون طريق المدينة) (٣). وقال ابن عبّاس : (كنت أنا وأمّي من الّذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، وكنت غلاما صغيرا يومئذ ، فنحن ممّن استثنانا الله عزوجل) (٤).
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن : ج ٥ ص ٣٤٧ ، وفيه تلا (قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها).
(٢) في الدر المنثور : ج ٨ ص ٦٠ : تفسير الآية ١٩ من سورة الحديد ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن مردويه عن أبي الدرداء رضي الله عنه ... وذكره بلفظ قريب». وفي الجامع لأحكام القرآن : ج ٥ ص ٣٤٧ وج ١٣ ص ٣٥٨.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٨١٣٠) عن مجاهد ، والنص (٨١٢٩) عن عكرمة ، والنص (٨١٣١) عن السدي.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٨١٢١ و٨١٢٤ و٨١٣٧). وأصله عند البخاري في الصحيح : تفسير سورة النور.