المغفرة لبيان خلوص نعيمهم عن الكدر ، كما روي في الخبر : (أنّ الله ينسيهم في الجنّة ما كان منهم من الذّنوب في الدّنيا حتّى لا يلحقهم الحياء) ، وذكر الدرجة لبيان أنّ الله أعطاهم ذلك النفع العظيم على جهة النّعمة مع ما يضاف إليه من الفضل بالزيادة في النّعمة. وقال بعضهم : أراد بالتفضيل في الدرجة في الآية الأولى تفضيل المجاهدين على القاعدين المعذورين ، وبالآية الثانية تفضيلهم على القاعدين الذين لا عذر لهم.
قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) ؛ قال ابن عبّاس : (نزلت في قوم من أهل مكّة تكلّموا بالإسلام ولم يهاجروا ـ أي أظهروا الإسلام وأسرّوا النّفاق ـ فلمّا كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى المسلمين ، فلمّا رأوا قلّة المسلمين قالوا وهم مع المشركين : غرّ هؤلاء دينهم ، فقتلوا يومئذ فضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم) (١) ، وقالت لهم : لماذا خرجتم مع المشركين وتركتم الهجرة؟! فكان سؤال الملائكة لهم بهذا على سبيل التّقريع.
ويجوز أن يكون معناه : فيم كنتم في المشركين أم في المسلمين؟ (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) ؛ أي مقهورون في أرض مكّة ، فأخرجونا معهم كارهين ، قالت الملائكة : (قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً) ؛ يعني أرض المدينة واسعة أمينة ، (فَتُهاجِرُوا فِيها) ؛ أي إليها ، وتخرجوا من بين أظهر المشركين.
وقوله تعالى : (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) نصب على الحال بمعنى تتوفّاهم الملائكة في حال ظلمهم لأنفسهم بالشّرك والنّفاق ، والأصل (ظالمين) إلّا أن النون حذفت استخفافا وهي ثانية في المعنى ، فيكون هذا في معنى النكرة وإن أضيف إلى المعرفة ، كما في قوله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ)(٢). وقوله تعالى : (تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي تقبض أرواحهم عند الموت ، وإنّما حذفت التاء الثانية لاجتماع التّاءين.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٨١١٤ و٨١١٧).
(٢) المائدة / ٩٥.