قوله : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فيكون معنى الاستثناء به أليق.
قوله تعالى : (فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) ؛ أي فضيلة ومنزلة ؛ (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) ؛ أي وكلا الفريقين المجاهد والقاعد وعدهم الله الحسنى يعني الجنّة بالإيمان. وفي هذا دليل أنّ الجهاد فرض على الكفاية ؛ لأنه لو كان فرضا على الأعيان لم يجز أن يكون القاعد عنه موعود بالحسنى.
قوله تعالى : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥)) ؛ أي فضّل الله المجاهدين على القاعدين عن الجهاد بغير عذر ثوابا حسنا في الجنّة ، فقوله تعالى : (أَجْراً) نصب على التّفسير. وقال الأخفش : (على المقدّر ؛ تقديره : آجرهم الله أجرا).
والفائدة في تكرار لفظ التفضيل : أنّ في الأول بيان تفضيل من جاهد بالمال والنفس جميعا ؛ وفي آخر الآية بيان تفضيل المجاهد مطلقا ، ويدخل فيه المجاهد بالمال والنّفس ، والمجاهد بالمال دون النفس ، وبالنفس دون المال.
قوله تعالى : (دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً) ؛ هذا بدل من قوله تعالى (أَجْراً) أو صفة له ؛ وهو موضع نصب. وعن ابن محيريز أنه قال : (فضّل الله المجاهدين على القاعدين سبعين درجة ؛ بين كلّ درجتين مسيرة سبعين خريفا للجواد المضمّر) (١).
قوله : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٩٦)) ؛ أي غفورا لذنب من جاهد ، رحيما إذ ساوى في وعد الحسنى بين من له العذر وبين من جاهد.
فإن قيل : كيف ذكر التفضيل في هذه الآية بدرجات ، وفي الآية التي قبلها بدرجة؟ قلنا : قال بعضهم : أراد بذكر الدرجة في الآية الأولى : الفضيلة والكرامة في الدّنيا ، وبذكر الدرجات درجات الجنّة منال في النّعيم ، بعضها أعلى من بعض ، وذكر
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٨١١٢).