روي : أنّه نزل أوّلا (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) فجاء ابن أمّ مكتوم ورجل آخر معه وهما أعميان ، فقالا : يا رسول الله ؛ أمر الله بالجهاد وفضّل المجاهدين على القاعدين ، وحالنا على ما ترى ، فهل لنا من رخصة؟ والله لو استطعنا لجاهدنا ، فأنزل الله (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) أي غير أولي الضرر في البصر ، فجعل لهم من الأجر ما للمجاهدين.
وروى ابن أبي ليلى ؛ قال : (لمّا نزل قوله (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) قال ابن أمّ مكتوم : اللهمّ أنزل عذري ، فنزل قوله (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) فوضعت بينهما ، وكان بعد ذلك يغزو ويقول : إدفعوا إليّ اللّواء ؛ ويقول : أقيموني بين الصّفّين) (١).
وعن زيد بن ثابت قال : (كنت جالسا عند النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وفخذه على فخذي ، وقد أملى عليّ قوله : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فعرض ابن أمّ مكتوم فثقلت فخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على فخذه حتّى كادت تنحطم ، فنزل عليه (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ)(٢).
ومن قرأ (غير أولي الضّرر) بالنصب فهو نصب على الاستثناء ، كأنّه قال : إلّا أولي ، كما يقال : جاءني القوم غير زيد. ويجوز أن يكون على الحال ؛ أي لا يستوي القاعدون في حال صحّتهم والمجاهدون ، وهذا كما يقال : جاءني زيد غير مريض ؛ أي صحيحا.
ومن قرأ (غير) بالرفع ، فيجوز الرفع في استثناء الإثبات من النّفي ، ويجوز أن يكون (غير) صفة للقاعدين ، وإن كان أصل (غير) أن تكون صفة كما هو نكرة. المعنى : لا يستوي القاعدون الذي هم غير أولي الضّرر والمجاهدون في الفضل والثّواب ، وإن كانوا كلّهم مؤمنين.
واختار بعضهم قراءة الرفع ؛ لأنّ معنى الصّفة على لفظة (غير) أغلب من معنى الاستثناء ، واختار بعضهم قراءة النصب لأن قوله (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) نزل بعد
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٢ ص ٦٤٣ ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن سعد وابن المنذر من طريق ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى».
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٨٠٩٤ و٨٠٩٥).