وذهب الزجّاج : (إلى أنّ النّجوى في اللّغة : ما تفرّد به الجماعة والاثنان ؛ سرّا كان ذلك أو ظاهرا). وقال : (معنى : نجوت الشّيء إذا خلّصته وأفردته ، ونجوت فلانا إذا استسرته) (١).
قوله تعالى : (أَوْ مَعْرُوفٍ) أي أو أمر بمعروف ، ويسمى البرّ كله معروفا ، قال صلىاللهعليهوسلم : [كلّ معروف صدقة ، وأوّل أهل الجنّة دخولا أهل المعروف ، وصنائع المعروف تقي مصارع السّوء](٢).
قوله تعالى : (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) يعني الإصلاح بين المتخاصمين ، وإصلاح ذات البين ، قال صلىاللهعليهوسلم : [ألا أخبركم بأفضل درجة من الصّلاة والصّدقة؟] قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : [إصلاح ذات البين ، وفساد ذات البين هي الحالقة ، فلا أقول تحلق الشّعر ولكن تحلق الدّين](٣).
قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) ؛ معناه : من يفعل ذلك البرّ والصلاح والصدقة لطلب مرضاة الله تعالى ، لا للرّياء والسّمعة ، (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ) ؛ نعطيه ؛ (أَجْراً عَظِيماً (١١٤)) ؛ أي ثوابا وافرا في الجنّة.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) ؛ نزلت في طعمة ؛ وذلك أنّه لمّا نزل فيه القرآن ، وعلم قومه أنّه ظالم ، وخاف هو على نفسه القطع والفضيحة ؛ هرب إلى مكّة ؛ فأنزل الله هذه الآية ، ومعناها : ومن يخالف الرسول في التوحيد والحدود معاندا من بعد ما تبيّن له حكم الله ، ويتّبع دينا غير دين المؤمنين وهو دين أهل مكّة ؛ (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) ؛ أي نكله
__________________
(١) في المخطوط : (إذا استهلكته) وهو تصحيف ؛ لأن القول ب (نجوت فلانا ؛ أنجوه نجوا ؛ أي ناجيته ، فالنّجوى المسارّة). ينظر : معاني القرآن وإعرابه للزجاج : ج ٢ ص ٨٥ ـ ٨٦.
(٢) أخرجه الطبراني في الأوسط مختصرا : [كلّ معروف صدقة] : الحديث (٨٢٤٤) عن عائشة رضي الله عنها ، والحديث (٩٠١١ و٩٠٤٠) عن جابر رضي الله عنه ، والحديث (٦٠٨٢) عن أم سلمة ؛ الحديث بلفظ تقديم وتأخير في عباراته.
(٣) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٥ ص ٤٤٤ ـ ٤٤٥. وأبو داود في السنن : الأدب : باب إصلاح ذات البين : الحديث (٤٩١٩). والترمذي في الجامع : صفة الجنة : باب سوء ذات البين هي الحالقة : الحديث (٢٥٠٩).