أو متعمّدا ثمّ يرم بريئا ؛ فقد استوجب عقوبة البهتان برميه غيره بشيء لم يفعله (وَإِثْماً مُبِيناً) أي ذنبا بيّنا ظاهرا.
وقيل : معناه : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً) أي بيمينه الكاذبة (أَوْ إِثْماً) بسرقة الدّرع ورمي اليهودي. والبهتان : بهت الرّجل بما لم يفعله. وقال الزجّاج : (البهتان الكذب الّذي يتحيّر من عظمه).
قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) ؛ أي لو لا فضل الله عليك يا محمّد بالنبوّة والإسلام ؛ ورحمته بإرسال جبريل عليهالسلام إليك بالقرآن الذي فيه خبر ما غاب عنك لقصدت من قوم طعمة أن يخطئوك ويحملوك أن تحكم بما هو غير واجب في الباطن ، وأن تبرّئ الخائن من غير حقيقة ؛ (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) ؛ أي وما يكون إضلالهم إلّا على أنفسهم ، (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) ولا ينقصونك شيئا مع عصمة الله تعالى إيّاك ؛ (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) ؛ أي القرآن ومعرفة الحلال والحرام ؛ (وَعَلَّمَكَ) ؛ بالوحي ؛ (ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) ؛ قبله ؛ (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣)) ؛ بالنبوّة والإسلام.
وفي هذه الآيات دلالة أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حقّ أو نفيه وهو غير عالم بحقيقة أمره ، وأنه لا يجوز للحاكم الميل إلى أحد الخصمين ، وإن كان أحدهما مسلما والآخر كافرا ، وأن وجود السرقة في يديّ إنسان لا يوجب الحكم بها عليه.
قوله عزوجل : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) ؛ أي لا خير في كثير من إسرار قوم طعمة فيما يريدون بينهم إلّا نجوى من أمر بصدقة فتصدّق بها ، ويجوز أن يكون معنى (إِلَّا مَنْ أَمَرَ) الاستثناء ليس من الأوّل على معنى (لكن) فيكون موضع (مَنْ أَمَرَ) نصبا على الإضمار ، والأوّل موضعه خفض (١).
__________________
(١) الأول : أن تكون (مِنْ) في موضع خفض ويكون التقدير : لا خير في كثير من نجواهم إلا نجوى من أمر بصدقة. أو بدل (كَثِيرٍ). والثاني : هو الاستثناء المنقطع.