فلمّا نزل قوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) بكينا وحزنّا وقلنا : يا رسول الله ؛ ما أبقت هذه الآية من شيء ، [أما والّذي نفسي بيده ؛ لكما أنزلت ؛ ولكن يسّروا وقاربوا وسدّدوا ؛ إنّه لا يصيب أحدكم مصيبة في الدّنيا إلّا كفّر عنه بها خطيئة ؛ حتّى الشّوكة يشاكها في قدمه]) (١).
وقال الحسن في قوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) قال : (الكافر ، وأمّا المؤمن فلا يجازى يوم القيامة إلّا بأحسن عمله ويتجاوز عنه سيّئاته) ثمّ قرأ (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ)(٢) وقرأ (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ)(٣).
ولو لا السّنة لأمكن أن يقال : إنّ الآية نزلت في الكفّار ؛ لأنّ في سياق الآية : (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣)) ؛ ومن لم يكن له يوم القيامة وليّ ولا نصير كان كافرا ؛ لأنّ الله تعالى قد ضمن نصر المؤمنين في الدّارين فقال تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ)(٤).
ولكنّ الخطاب إذا ورد مجملا ، وبيّن الرّسول عليهالسلام كان الحكم لبيانه لا للآية ؛ إذ البيان إليه صلىاللهعليهوسلم ، قال الله تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)(٥).
قوله عزوجل : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ؛ أي وهو مصدّق بالثواب والعقاب ، (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) ؛ في الآخرة ، (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤)) ؛ أي ولا ينقصون مما استحقوه من جزاء أعمالهم مقدار النّقير ، وهو النّقرة التي تكون في ظهر النّواة.
قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) ؛ معناه : أيّ أحد منكم أصوب طريقة وسيرة ، ممّن أخلص عمله وطاعته لله وهو محسن في الاعتقاد والعمل فيما بينه وبين ربه واتّبع دين إبراهيم حنيفا ؛ أي مائلا عن كلّ دين سوى الإسلام.
__________________
(١) تقدم.
(٢) يوسف / ٣٥.
(٣) سبأ ١٧.
(٤) غافر / ٥١.
(٥) النحل / ٤٤.