وقيل : الحنيف : المستقيم في سلوك الطّريق الذي أمر بسلوكه. ومعنى المحسن : ما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم سئل عن الإحسان فقال : [أن تعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك](١).
قوله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (١٢٥)) ؛ قال الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس : (خليلا أي صفيّا). وقيل : في معنى قوله : (خَلِيلاً) وجهان :أحدهما : الإصطفاء بالمحبّة ، والإختصاص بالإسراء دون من لم تكن له تلك المنزلة ، والثاني : من الخلّة وهو الحاجة ، فخليل الله : المحتاج إليه ؛ المنقطع بحوائجه إلى الله تعالى دون غيره ، وقد يسمّى الفقير خليلا ، قال زهير :
وإن أتاه خليل يوم مسغبة |
|
يقول لا غائب مالي ولا حرم |
أي ولا ممنوع.
فإذا أريد به الوجه الأول ؛ جاز أن يقال : إبراهيم خليل الله ؛ والله خليل إبراهيم. وإذا أريد الوجه الثاني ؛ لم يجز أن يوصف الله تعالى بأنه خليل إبراهيم ، وجاوز وصفه بأنّه خليل الله.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [اتّخذ الله إبراهيم خليلا لإطعامه الطّعام ؛ وإفشائه السّلام ؛ وصلاته باللّيل والنّاس نيام](٢). فإن قيل : لم كان اتّباع ملّة إبراهيم أولى من اتّباع ملّة غيره من الأنبياء مثل عيسى وموسى؟ قيل : إنّ الفرق كلّهم متّفقون على تعظيمه ، ووجوب اتّباع ملّته ، وهو كان يدعو إلى الحنيفيّة دون اليهوديّة والنصرانيّة.
__________________
(١) الحديث مشهور ؛ أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الإيمان : باب سؤال جبريل النبيّ صلىاللهعليهوسلم : الحديث (٥٠) ، وباب بيان الإيمان والاسلام : الحديث (٦٤). ومسلم في الصحيح : كتاب الإيمان : الحديث (١٠).
(٢) الجامع لأحكام القرآن : ج ٥ ص ٤٠١. وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان : باب في إكرام الضيف : الحديث (٩٦١٦) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مختصرا.