قال الله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ)(١) أي كسبتم ، وقيل : معنى الجوارح : الجارحات بناب أو مخلب. قوله تعالى : (مُكَلِّبِينَ) حال للمعلّمين ؛ أي في حال إغرائهم الكلب على الصّيد ، والتّكليب : إغراء السّبع على الصّيد وإرساله.
ومن قرأ (مكلّبين) بفتح اللّام فهو حال من الكواسب المعلّمين. وقرأ ابن مسعود والحسن : (مكلبين) بإسكان الكاف وتخفيف اللام ، فعلى هذا المعنى يجوز أن يكون من قولهم : أكلب الرّجل إذا كثرت كلابه ، وأمشى إذا كثرت ماشيته ، ولذلك ذكر الكلاب ؛ لأنّها أعمّ وأكثر ، والمراد به جميع الجوارح.
قوله تعالى : (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) ؛ أي تؤدّبوهنّ أن يمسكن الصّيد عليكم كما أدّبكم الله تعالى ، (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) ؛ أي على الإرسال ، كما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه قال لعديّ بن حاتم : [إذا أرسلت كلبك المعلّم ، وسمّيت الله تعالى فكل ، وإن أكل منه فلا تأكل ، فإنّه إنّما أمسك على نفسه](٢). وفي بعض الرّوايات : [وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل ، فإنّك إنّما سمّيت على كلبك ، ولم تسمّ على كلب غيرك](٣).
وذهب بعض أهل العلم إلى أنّ معنى الإمساك في هذه الآية أن يحفظ الكلب الصّيد حتّى يجيء صاحبه ، فإن تركه حتى غاب عن صاحبه ثم وجده صاحبه بعد ذلك ميتا لم يحلّ أكله. قال صلىاللهعليهوسلم : [كل ما أصميت ، ودع ما أنميت](٤) ، قيل : الإصماء : ما رأيت ؛ والإنماء ما توارى عنك.
__________________
(١) الأنعام / ٦٠.
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الذبائح والصيد : باب صيد المقراض : الحديث (٥٤٧٦). ومسلم في الصحيح : كتاب الصيد والذبائح : باب الصيد بالكلاب المعلمة : الحديث (١ ـ ٧ / ١٩٢٩).
(٣) ينظر الهامش السابق.
(٤) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ١٢ ص ٢٢ : الحديث (١٢٣٧٠). وفي المعجم الأوسط : الحديث (٥٥٣٩). وفي مجمع الزوائد : ج ٤ ص ١٦٢ : كتاب البيوع : باب تصرف العبد ؛ قال الهيثمي : «رواه الطبراني في الأوسط وفيه عباد بن زياد ، وثقه أبو حاتم وغيره ، وضعفه موسى ابن هارون وغيره».