يحدث](١). وقال : [لا وضوء إلّا من حدث](٢). فثبت أن في الآية إضمار آخر تقديره : إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فاغسلوا وجوهكم ، وهذا نظير قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)(٣) معناه : فأفطر فعليه عدّة من أيّام أخر ، وقوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ)(٤) معناه فحلق فعليه فدية. وقال بعضهم : معنى الآية : إذا قمتم من نومكم إلى الصّلاة ، وقال : هذا على أنّ النوم في حالة الاضطجاع حدث.
قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الغسل : إجراء الماء على المحلّ وتسييله ، سواء وجد معه الدّلك أم لا ، والوجه : ما يواجهك من الإنسان ، وحدّه من قصاص الشّعر إلى أسفل الذقن ، ومن شحمتي الأذن إلى شحمتي الأذن. وظاهر الآية يقتضي أنّ المضمضة والاستنشاق غير واجبتين في الوضوء ؛ لأن اسم الوجه يتناول الظاهر دون الباطن.
قوله تعالى : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) أي مع المرافق ، هكذا قال علماؤنا رحمهمالله تعالى ، إلّا زفر رحمهالله ؛ فإنه ذهب إلى ظاهر الآية وقال : (إنّ حرف (إلى) للغاية ، والغاية لا تدخل في الحكم كما في قوله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(٥)). وأمّا عامّة العلماء فقالوا : إنّ (إلى) تذكر بمعنى (مع) كما قال تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ)(٦) ، فإذا احتمل اللفظ الغاية واحتمل معنى المقارنة حلّ
__________________
(١) الحديث بمعناه : عن أنس بن مالك قال : [كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتوضّأ لكلّ صلاة ، وكان أحدنا يكفيه الوضوء ما لم يحدث]. رواه البخاري في الصحيح : كتاب الوضوء : باب الوضوء من غير حدث : الحديث (٢١٤). وأبو داود في السنن : كتاب الطهارة : باب الرجل يصلي بوضوء واحد : الحديث (١٧١) ، وغيرهم. واللفظ للدارمي كما في السنن : كتاب الطهارة : باب لا وضوء إلا من حدث : الحديث (٧٢٠).
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٢ ص ٤١٠ و٤٢٥. وأخرجه الطبراني في الأوسط : الحديث (٦٩٢٥) عن أبي هريرة بلفظ : [إلّا من صوت أو ريح].
(٣) البقرة / ١٨٤.
(٤) البقرة / ١٩٦.
(٥) البقرة / ١٨٧.
(٦) النساء / ٢.