محلّ المجمل ، فكان موقوفا على بيان رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقد روي : [أنّه كان إذا توضّأ أدار الماء على مرفقيه](١) ، فصار فعله بيانا للمجمل ، فحمل على الوجوب.
قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) اختلف العلماء في مقدار وجوب المسح منه ، فذهب مالك إلى أنّ مسح جميع الرأس واجب ، وقال : (ظاهر الآية يقتضي الجميع دون البعض ، لأنّك إذا قلت : مررت بزيد ؛ أردت جملته لا بعضه ، ومثل ذلك قوله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(٢) والمراد كلّ البيت ، وكقوله تعالى : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)(٣)). وذهب الشافعيّ : إلى أنّ الواجب مقدار ما يتناوله الاسم ، ومن أصحابه من قدّره بثلاث شعرات. وهذا بعيد ؛ لأن فاعله لا يسمّى ماسحا رأسه ولا برأسه ، ولأنّ ذلك القدر يحصل بغسل الوجه ، وفعل ذلك أيضا متعسّر.
وقال أصحابنا في الاحتجاج على مالك بأنّ (الباء) تذكر ويراد بها التّبعيض ، كما تقول : أخذت برأس فلان ، ومسحت برأس اليتيم ، فاذا احتمل اللفظ التبعيض كان مجملا فوجب الرّجوع فيه إلى فعل الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وقد روي : [أنّه توضّأ ومسح على ناصيته](٤). والناصية : هي الرّبع المقدّم من الرّأس ، ومعلوم أنه كان لا يترك بعض الواجب ، فثبت أنّ الفرض مقدور على هذا المقدار ، إلّا أنّ الأفضل أن يمسح جميع الرأس ليخرج عن الفرض بيقين. وقد روي : [أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم توضّأ ومسح] [ومسح جميع رأسه](٥).
__________________
(١) عن جابر أخرجه البيهقي في السنن الكبرى : كتاب الطهارة : باب إدخال المرفقين في الوضوء : الحديث (٢٥٦ و٢٥٧).
(٢) الحج / ٢٩.
(٣) النساء / ٤٣.
(٤) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى : كتاب الطهارة : باب إيجاب المسح بالرأس وإن كان مغنما : الحديث (٢٨٢) مرسلا ، والحديث (٢٨٩) عن بلال رضي الله عنه ؛ وقال : إسناده حسن. وأصله عند مسلم في الصحيح : كتاب الطهارة : باب المسح على الرأس والخفين : الحديث (٧٥ ـ ٨٠ / ٢٧٤) من حديث المغيرة بن شعبة ، وفيه : [مسح بناصيته].
(٥) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى : باب الاختيار في استيعاب الرأس بالمسح : الحديث (٢٧٠). وأصله عند مسلم في الصحيح.