قوله عزوجل : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨)) ؛ أي قل يا محمّد لليهود والنصارى : لم تكفرون بالحجّ ومحمّد والقرآن والله عالم بما تعملون ، وإنّما قال في هذا الموضع : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) ، وقال من قبل : (يا أَهْلَ الْكِتابِ) أنه تعالى خاطبهم أوّلا على جهة التّلطّف في استدعائهم إلى الإيمان ثم أعرض عن خطابهم إدلالا وإهانة لهم ، وأمر غيره بمخاطبتهم.
قوله عزوجل : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) ؛ نزلت يوم بدر في اليهود كانوا يدعون عمّارا وأصحابه رضي الله عنهم إلى اليهوديّة ، وكانوا يسعون في إحياء الضّغائن التي كانت بين الأوس والخزرج في الجاهليّة وكانت قد ماتت في الإسلام (١). ومعنى الآية : قل يا محمّد : لم تصرفون من آمن عن دين الله وعن الطريق التي هي الموصلة إلى رضا الله من الإسلام والحجّ وغير ذلك ، (تَبْغُونَها عِوَجاً) أي تطلبون لها ميلا. قال أبو عبيد : (العوج بالكسر في الدّين والقول والعمل ، والعوج بالفتح في الجدار والحائط والعصا).
قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) أي وأنتم شهداء تقديم البشارة بمحمّد صلىاللهعليهوسلم في كتبكم ، وقيل : معناه : وأنتم عقلاء كما في قوله تعالى : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(٢). قوله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩)) ؛ تهديد لهم على الكفر أي لا يخفى على الله شيء ممّا تعملون من الجحد والكتمان.
قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (١٠٠)) ؛ قال زيد بن أسلم : (أنّ شاس بن قيس اليهوديّ وكان شيخا كبيرا عظيم الكفر ؛ شديد الطّعن على المسلمين ؛ شديد الحسد لهم ، مرّ على نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الأوس والخزرج في
__________________
(١) أخرجه الطبري مطولا في جامع البيان : النص (٥٩٤٥).
(٢) ق / ٣٧.