لكم الآيات؟! قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ) ؛ أي يستمسك بدينه وطاعته ويمتنع به من غيره ؛ (فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ) ؛ أي أرشد إلى طريق ؛ (مُسْتَقِيمٍ (١٠١)) ؛ قائم يرضاه الله وهو الإسلام ، والعصمة : المنع ، فكلّ مانع شيئا فهو عاصم ، قال الفرزدق :
أنا ابن العاصمين بني تميم |
|
إذا ما أعظم الحدثان نابا (١) |
قال عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)) ؛ معناه : يا أيّها الّذين صدّقوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم والقرآن أطيعوا الله حقّ طاعته ، واثبتوا على الإسلام حتّى لا يدرككم الموت إلّا وأنتم مسلمون. قال الكلبيّ : (حقّ تقاته : أن يطاع فلا يعصى ، وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر) (٢). وقال ابن عبّاس : (هو أن لا يعصى طرفة عين). وقال مجاهد : (معناه : جاهدوا في الله حقّ جهاده ؛ ولا يأخذكم في الله لومة لائم ؛ وقوموا لله بالقسط ولو على أنفسكم وأبنائكم) (٣).
فلما نزلت هذه الآية قالوا : يا رسول الله من يقوى على تقوى الله حقّ تقاته ، وشقّ ذلك عليهم ، فأنزل الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(٤)
فصار ابتداء هذه الآية منسوخا به ، وإلى هذا ذهب قتادة ومقاتل وجماعة من المفسّرين. قال قتادة (٥) : (وليس في آل عمران من المنسوخ إلّا هذه الآية). وقال بعضهم : لا يجوز أن يكلّف الله عباده ما لا يطيقون ، وليست هذه الآية منسوخة ، وإنّما معناه : اتّقوا الله فيما يحقّ عليكم أن تتّقوه فيه ؛ وهو ما فسّره الله تعالى في كتابه في مواضع شتّى.
__________________
(١) في لسان العرب : «حدث حدثان الدّهر وحوادثه : نوبه. وناب : أصاب ونزل».
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٥٩٥٧) من حديث عبد الله بن مسعود ، وإسناده صحيح.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٥٩٦٤) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٤) التغابن / ١٦.
(٥) عند القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ٤ ص ١٥٧ ك «قال مقاتل :».