قوله تعالى : (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(١) أي مؤمنون ، وقيل : مخلصون مفوّضون أمركم إلى الله تعالى. وقال الفضيل : (محسنون الظّنّ بالله). وعن أنس رضي الله عنه قال : (لا يتّقي الله عبد حقّ تقاته حتّى يخزن لسانه) (٢).
قوله عزوجل : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) الآية. قال مقاتل : (كان بين الأوس والخزرج عداوة في الجاهليّة وقتال ؛ حتّى هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة فأصلح بينهم ، فافتخر بعد ذلك رجلان : ثعلبة بن غنم الأوسيّ ؛ وسعد بن زرارة الخزرجيّ ، فقال الأوسيّ : منّا خزيمة ذو الشّهادتين ؛ ومنّا حنظلة غسلته الملائكة ؛ ومنّا عاصم بن ثابت حمى الدّين ؛ ومنّا سعد بن معاذ الّذي اهتزّ العرش لموته ورضي بحكمه في بني قريظة. وقال الخزرجيّ : منّا أربعة أحكموا القرآن : أبيّ بن كعب ؛ ومعاذ بن جبل ؛ وزيد بن ثابت ؛ وأبو زيد سعد بن عبادة خطيب الأنصار ورئيسهم. فجرى الحديث بينهم ؛ فغضبوا ، فقال الخزرج : أما والله لو تأخّر الإسلام قليلا وقدوم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لقتلنا سادتكم واستعبدنا أبناءكم ونكحنا نساءكم بغير مهر ، فقال الأوس : قد كان والله الإسلام متأخّرا كثيرا ، فهلّا فعلتم ذلك حين ضربناكم حتّى أدخلناكم البيوت ، وتكاثرا وتشاتما ثمّ تبادءا واقتتلا حتّى اجتمع الأوس والخزرج ومعهم السّلاح ، فبلغ ذلك النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فخرج إليهم في أناس من المهاجرين وقد نهض بعضهم إلى بعض. قال جابر : فما كان طالع يومئذ أكرم علينا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأومأ إلينا فكففنا فوقف بيننا ، فقرأ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) إلى قوله تعالى : (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) فألقى الفريقان السّلاح وأطفأوا الحرب ، فلم يكن في الأرض شخص أحبّ إليهم من رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد نزول الآية ، ومشى بعضهم إلى بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وعانق بعضهم بعضا يبكون ، فما رأيت باكيا أكثر من يومئذ).
__________________
(١) معنى التفسير في الآية (١٣٢) من سورة البقرة.
(٢) في الدر المنثور : ج ٢ ص ٢٨٤ ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس».