يخسرون بالدّعاء إلى الجهاد في كلّ عام مرّة أو مرّتين ، ويقال : يهلكون بهتك أسرارهم ، ثم يظهر الله من سوء نيّاتهم وخبث سرائرهم (١). ويقال : كانوا ينقضون عهدهم في السّنة مرة أو مرتين فيعاقبون ، ثم لا يتوبون عن نفاقهم ولا يذكرون بما صنع الله بهم بنقضهم العهد. وقرأ حمزة ويعقوب : (أولا ترون) بالتاء خطابا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين.
قوله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ ؛) إذا نزلت سورة فيها عيب المنافقين فخاطبهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم وعرّض لهم في خطبته ، نظر بعض المنافقين إلى بعض ، (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ،) من المخلصين إذا هو قائم فخرج من المسجد ، فإذا كان لا يراه أحد خرج من المسجد وانصرف ، وإن علموا أنّ أحدا يراهم قاموا وثبتوا مكانهم حتى يفرغ النبيّ صلىاللهعليهوسلم من خطبته.
قوله تعالى : (ثُمَّ انْصَرَفُوا ؛) أي انصرفوا عن الإيمان والعمل بترك ما يستمعون ، ويقال : انصرفوا عن المكان الذي سمعوا فيه ، (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ؛) باللطف الذي يحدثه للمؤمنين. قوله تعالى : (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (١٢٧) ؛ أي ذلك الصرف بأنّهم قوم لا يفقهون ما يريد الله بخطابه.
قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ؛) هذا خطاب لأهل مكّة ، والمعنى : لقد جاءكم رسول من أهل نسبكم ولسانكم ، شريف النّسب تعرفونه وتفهمون كلامه. وإنما قال ذلك ؛ لأنه أقرب إلى الألفة. وقيل : إن هذا خطاب لجميع الناس ، معناه : جاءكم آدميّ مثلكم ، وهذا أوكد للحجّة عليكم ؛ لأنّكم تفهمون عن من هو من جنسكم.
وقرأ ابن عبّاس والزهري (من أنفسكم) بفتح الفاء ؛ أي من أشرفكم وأفضلكم ، من قولك : شيء ذو نفس (٢) ، وقال : كان من أعلاكم نسبا ، قوله تعالى : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) أي شديد عليه عنتكم وإثمكم ، العنت : الضيّق والمشقّة.
__________________
(١) في المخطوط : (شرارهم).
(٢) ينظر : اللباب في علوم الكتاب : ج ١٠ ص ٢٤٧.