كان مقرّبا من الحكّام أيضا ، إذ بعثه «المقتدي بالله رسولا إلى سمرقند وبخارى لأخذ البيعة له على ملكها» (١). وفي (درج الدرر) عبارة توحي بميل مؤلّفه إلى خلفاء عصره ، ففي أثناء تفسيره الآية ١٥٠ من سورة الأعراف قال : «وفي الآية دلالة أنّ صبر الخليفة على جنايات قومه والتّغافل عنها جائز لابتغاء المصلحة كمنابذته ومضاجرته إيّاهم ، ولذلك يصبر خلفاء نبيّنا صلىاللهعليهوسلم من آل عبّاس على قبائح هذه الأمّة وافتراق أهوائها» (٢). ولا بدّ هنا من العودة إلى عبد القاهر الجرجانيّ مرّة أخرى ، إذ ليس في مصادر ترجمته ما يشير إلى قربه من حكام عصره ، بل إنّ تلك المصادر تنقل عنه بيتين من الشّعر يظهر فيهما تبرّمه بزمانه الذي لم يعد فيه حظّ للعلماء والعقلاء ، وإنّما صار زمان السّفهاء والجهّال ، بحسب رأيه ، يقول (٣) :
كبّر على العقل (٤) لا ترمه |
|
ومل إلى الجهل ميل هائم |
وعش حمارا تعش سعيدا |
|
فالسّعد في طالع البهائم |
وواضح أنّ مثل هذه السّخرية المرّة قد لا تصدر إلا عمّن رأى أنّ أولي الأمر يقرّبون الجهلة ، وينبذون العلماء.
وابن ماكولا «تتبّع الألفاظ المشتبهة في الأسماء والأعلام ، وجمع منها شيئا كثيرا» (٥) ، وهو «النّسّابة صاحب التّصانيف» (٦) ، وكتابه (الإكمال) «في غاية الإفادة في رفع الالتباس ، والضّبط والتّقييد ، وعليه اعتماد المحدّثين وأرباب هذا الشّأن ، فإنّه لم يوضع مثله ، ولقد أحسن فيه غاية الإحسان» (٧). «ولا يحتاج هذا الأمير بعده إلى فضيلة أخرى ، ففيه دلالة على كثرة اطّلاعه وضبطه وتحريره وإتقانه» (٨). ومؤلّف (درج الدّرر) كان مشغوفا بالرّوايات التاريخيّة ، واستقصاء الأسماء إلى حدّ ذكر أسماء أبناء إبراهيم ويعقوب عليهماالسلام وحتى توأمتي قابيل وهابيل (٩).
ورغم أنّ مصادر ترجمة ابن ماكولا ذكرت أنّه «كان نحويّا مجوّدا وشاعرا مبرّزا» (١٠) ، لم
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ١٨ / ٥٧٥.
(٢) درج الدرر ٦٢٣ ـ ٦٢٤.
(٣) ينظر : طبقات الشافعية ٢ / ٢٥٣ ، وشذرات الذهب ٣ / ٣٤٠.
(٤) في بعض المصادر : العلم ، ينظر : طبقات الشافعية الكبرى ٥ / ١٥٠ ، والبلغة ١٢٧.
(٥) وفيات الأعيان ٣ / ٣٠٥.
(٦) العبر في خبر من غبر ٣ / ٣١٩.
(٧) وفيات الأعيان ٣ / ٣٠٥.
(٨) البداية والنهاية ١٢ / ١٥٢.
(٩) سيأتي مزيد بيان لذلك عند الكلام على منهجه.
(١٠) سير أعلام النبلاء ١٨ / ٥٧٥ ، وطبقات الحفاظ ٤٤٣.