الدنيا (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [١٨] أي إلى الله رجوعهم فيجازيهم بأعمالهم من الخير والشر في الآخرة.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩))
قوله (يا أَهْلَ الْكِتابِ) خطاب لليهود والنصارى على وجه التعيير باضافتهم إلى الكتاب ، أي يا أهل التورية والإنجيل لم لا تعملون بكتابكم الذي تنسبون نفوسكم إليه (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) أي محمد (يُبَيِّنُ لَكُمْ) الدين الحق (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) أي على انقطاع الوحي وفتور الدين من رسل الله وكانت الفترة بين محمد وعيسى عليهماالسلام ستمائة سنة (١) ، وقيل : خمسمائة وأربعون (٢) ، وقيل : ستون سنة (٣) ، وكان بين موسى وعيسى ألف وسبعمائة سنة وألف نبي تترى من موسى إلى عيسى عليهماالسلام (٤) ، المعنى : أن محمدا رسولنا جاءكم بعد عيسى مثبتا للحجة عليكم (أَنْ تَقُولُوا) أي مخافة قولكم معتذرين (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) بعد ما درس الدين ليبشرنا بالجنة وينذرنا بالنار (٥) ، قوله (فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ) بالجنة (وَنَذِيرٌ) بالنار ، متعلق بمحذوف ، أي لا تعتذروا فقد جاءكم الرسول (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [١٩] من إرسال الرسل على عباده ومن المغفرة والعذاب.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠))
ثم قال مخبرا عما قال موسى لقومه من الموعظة والتذكير ليشكروا نعمة الله عليهم ولا يكفروا بها (وَإِذْ قالَ) أي اذكر يا محمد حين قال (مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) أي منته (عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ) أي في بني إسرائيل (أَنْبِياءَ) فكان فيهم أربعة آلاف نبي (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) بعد إن كنتم مملوكين في أيدي القبط وفرعون ، قيل : جعلهم الله أصحاب خدم وحشم ، ولم يكن لبني إسرائيل قبل موسى لأحد خدم (٦) ، قال ابن عباس : «الرجل إذا لم يدخل في بيته أحد إلا باذنه فهو ملك» (٧)(وَآتاكُمْ) من المن والسلوى وتظليل الغمام في التيه وفلق البحر وغير ذلك من النعم (ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [٢٠] أي عالمي زمانكم.
(يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١))
فأمر موسى بأن يجاهدوا في سبيل الله بعد تذكيرهم نعمة الله عليهم (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) أي المطهرة وهي المكان الذي يتطهر الإنسان فيه من الذنوب ، يعني اسكنوا الأرض الطاهرة (الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) في اللوح المحفوظ قبل خلقكم أنكم تقتسمونها وتسكنونها بعد هلاك أعدائكم بالجهاد (وَلا تَرْتَدُّوا) أي لا ترجعوا (عَلى أَدْبارِكُمْ) منهزمين من خوف العدو (فَتَنْقَلِبُوا) بالجزم عطف على (تَرْتَدُّوا) أو بالنصب جواب النهي ، أي فتصيروا بالعقوبة أو بالخيبة عن ثواب الدنيا والآخرة (خاسِرِينَ) [٢١] أي مغبونين في سعيكم ، فبعث موسى اثنى عشر رجلا ، من كل سبط رجلا يأتونهم بخبر الجبارين فلما أتوهم لقيهم بعض من أهل المدينة وهو عوج بن عنق ، فأخذهم واحتملهم في ثوبه وجاء بهم إلى ملك المدينة وطرحهم بين يديه فنظر إليهم الملك ، وقال : أهؤلاء قصدوا أن يأخذوا مدينتنا؟ فأمر بقتلهم ، فقالت امرأته : ما تصنع بقتل هؤلاء الضعفاء ، أنعم عليهم بعنقود من العنب حتى يذهبوا ويخبروا خبركم بموسى وقومه ، فأعطاهم الملك عنقودا من العنب
__________________
(١) عن الضحاك ومقاتل ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٢٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٢٣٠ (عن أبي عثمان).
(٢) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٢٦ ؛ والبغوي ، ٢ / ٢٣٠.
(٣) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٢ / ٢٣٠ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ٢٠.
(٤) عن الكلبي ، انظر الكشاف ، ٢ / ٢٠.
(٥) ليبشرنا بالجنة وينذرنا بالنار ، ب م : لتبشرنا بالجنة وتنذرنا بالنار ، س.
(٦) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٢٣١.
(٧) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٢٦.