أي الخائفين منه وأنت غير متق لسوء نيتك وخيانتك.
(لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩))
روي : أن حواء كانت تحمل في بطن واحد غلاما وجارية ، وولدت كذلك في عشرين بطنا ، فأمر تعالى آدم أن يزوج (١) أنثى هذا البطن بغير ذكره ، فقال آدم لقابيل : أمرني الله أن أزوج أختك إقليما لهابيل ، وكانت جميلة ، وأزوجك أخته لبوذا ، فقبل هابيل أمر الله وأباه قابيل ، وقال : إن الله لم يأمرك بهذا ولكنك تميل إلى هابيل لكونها جميلة ، فأمرهما بأن يقربا قربانا ، فأيهما يقبل قربانه بأنه كان أحق ، فقربا قربانين ، فتقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل ، فأضمر في قلبه أن يقتله ، وكان هابيل أقوى من قابيل وأبطش ، ولكن كان في شريعتهم أن الرجل إذا أراد أن يقتل رجلا لا يمتنع عليه (٢) ، وقيل : انقاد حذرا عن قتال المسلم كفعل عثمان (٣) ، فلذلك قال هابيل لقابيل (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ) أي مددت يدك إلى (لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ) أي بماد (يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) [٢٨] أي عقابه ، وإنما جاء الجزاء بلفظ اسم الفاعل ، فالشرط بلفظ الفعل ليفيد أنه لا يتصف بالوصف الشنيع ، فيقال هو باسط اليد إلى أخيه بالقتل ، ولما عزم قابيل على قتل أخيه ومخالفة أمر الله وأبيه قال له هابيل (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ) أي ترجع (بِإِثْمِي) أي باثم قتلي إذا قتلتني على حذف المضاف إليه (وَإِثْمِكَ) أي وباثمك الذي هو عصيان أمر الله وأبيك ، والمراد بالإثم وبال القتل وعقابه (فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) بالإثمين (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) [٢٩] أي الكافرين بأمر الله وأمر نبيه عليهالسلام ، وإنما جاز أن يريد شقاوة أخيه وتعذيبه بالنار ، لأنه كان ظالما ، وجاز أن يريد العبد جزاء الظالم (٤) كما أراد الله ألا يرى إلى قوله (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ).
(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٣٠))
(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ) أي انقادت وتابعت له هوى نفسه (قَتْلَ أَخِيهِ) أي على أن يقتل أخاه ، فجاءه اغتيالا (فَقَتَلَهُ) بحجر بأرض الهند ، وقيل : عند عقبة حراء والمقتول ابن عشرين سنة (فَأَصْبَحَ) أي فصار (٥) قابيل بقتل أخيه (مِنَ الْخاسِرِينَ) [٣٠] أي من المغبونين (٦) بالعقوبة في الآخرة مع كونه ابن نبي هو صفي الله أنه لما قتله حمله على عاتقه سبعة أيام لا يدري ما يصنع به.
(فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١))
(فَبَعَثَ اللهُ غُراباً) أي غرابين ، فقتل أحدهما الآخر ، فجعل الغراب القاتل (يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ) حفيرة وقابيل ينظر إليه فوارى فيها الغراب المقتول ، قوله (لِيُرِيَهُ) متعلق ب «بعث» ، أي ليعلمه الله بفعل الغراب (كَيْفَ يُوارِي) أي يستر (سَوْأَةَ أَخِيهِ) أي جيفته أو عورته ، لأنه قد كان سلبه ثيابه ، و (كَيْفَ) حال من فاعل (يُوارِي) ، والجملة في محل النصب ب «يري» على المفعولية ، فثم (قالَ) قابيل (يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ) أي أضعفت (٧) في الحيلة
__________________
(١) يزوج ، ب م : يزوجه ، س.
(٢) نقله المصنف عن البغوي ، ٢ / ٢٤٠.
(٣) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٤٢٩. نحو هذه الرواية مذكورة في التورية ، تكوين ، ٤ / ١ ـ ١٥. وقال الشيخ محمد عبده في تفسيره : «وهذه أخبار إسرائليات ، اختلفت الروايات فيها عن مفسري السلف ، يعضها يوافق ما عند اليهود في سفر التكوين وبعضها يخالفه ، وليس فيها شيء مرفوع إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يعول عليه». انظر الشيخ محمد عبده ، تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار ، دار الفكر ، الطبعة الثانية ، ٦ / ٣٤٢.
(٤) الظالم ، ب م : الظلم ، س.
(٥) فصار ، س : صار ، ب م.
(٦) أي من المغبونين ، م : أي الخاسرين ، ب س.
(٧) أي أضعفت ، ب س : أي ضعفت ، م.