عليك بالعبد الأسود ، يعني بلالا ، فانه جهير الصوت ومشهور في الملائكة وأحب المؤذنين إلى الله تعالى ، فدعاه رسول الله وعلمه الأذان ، وأمره أن يصعد سطح المسجد ويؤذن ، فلما أذن سخر منه أهل النفاق وأهل الشرك فنزلت الآية (١) ، قيل : «كان رجل من النصارى بالمدينة ، لما سمع المؤذن يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، قال حرق الله الكاذب فدخلت خادمته ليلة بنار وهم نيام فسقطت شرارة في البيت فاحرقته وأهله فاستجيب دعاؤه على نفسه» (٢)(ذلِكَ) أي الاستهزاء منهم (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنهم (قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) [٥٨] أي لا يفهمون من الله شيئا لجهلهم وسفاهتهم ، فكأنه لا عقول لهم أصلا.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩))
(قُلْ) يا محمد (يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ) أي ما تنكرون وتعيبون (مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ) أي سوى إيماننا به (وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) أي وبالقرآن المنزل إلينا (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ) أي قبل القرآن (٣) من التورية والإنجيل (وَأَنَّ) أي وبأن (أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) [٥٩] أي خارجون عن الإيمان بعصيانكم ، المعنى : أنكم لا تنكرون منا إلا مخالفتنا إياكم بأنا داخلون في الإسلام وأنتم خارجون منه ، ويجوز أن يكون الواو بمعنى مع ، يعني لا تنقمون منا إلا إيماننا مع كونكم فاسقين مقيمين على الباطل بعد العلم به.
(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠))
قوله (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ) أي من المنقوم من أهل الإيمان ، نزل حين قال اليهود للمؤمنين : ما نعلم أحدا من أهل الأديان أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم (٤) ، فقال تعالى : قل يا محمد هل أخبركم بشر من أهل الإيمان على زعمكم (مَثُوبَةً) أي جزاء وعقوبة (عِنْدَ اللهِ) ونصبه تمييز ووضع «المثوبة» موضع «العقوبة» (٥) ، وهو من الإحسان في الأصل توسع أو استهزاء لهم ، قوله (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) رفع بالخبرية (٦) ، ومبتدأه محذوف ، أي هو من طرده الله من رحمته (وَغَضِبَ عَلَيْهِ) بقطع لطفه عنه (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) في الدنيا (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) عطف على صلة «من» ، أي ومن عبد الشيطان ، فعل ماض من العبادة ، وقرئ «عبد الطاغوت» بضم الباء وجر التاء (٧) إضافة ، ونصبه ب (جَعَلَ) ، لأنه معطوف على (الْقِرَدَةَ) وهو اسم جمع وليس بجمع كعضد ، والمراد من عبادة الشيطان تسويله المعصية وإطاعته له فيها ، المعنى : من لعنه الله شر عقوبة من غيره في الآخرة (أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً) أي منزلة عند الله (وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) [٦٠] أي عن وسط طريق الحق في الدنيا.
(وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (٦١))
ثم أخبر عن حال منافقي أهل الكتاب بقوله (٨)(وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا) أي صدقنا بك لأنا وجدنا نعتك في كتابنا ، وأرادوا به أن يمدحهم المسلمون ويحبونهم ، فقال تعالى (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ) أي ملتبسين به (وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) أي ملتبسين بالكفر (٩) ، الجملتان (١٠) في محل النصب على الحال ، أي هم دخلوا كافرين
__________________
(١) عن الضحاك ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٤٦.
(٢) عن السدي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٤٦ ؛ والواحدي ، ١٦٩ ؛ والبغوي ، ٢ / ٢٧٣.
(٣) قبل القرآن ، ب س : ـ م.
(٤) عن مقتال ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٤٦ ؛ وانظر أييضا الواحدي ، ١٦٩.
(٥) ووضع المثوبة موضع العقوبة ، س : ووضعه موضع العقوبة ، ب م.
(٦) بالخبرية ، س م : بخبرية ، ب.
(٧) «وعبد الطاغوت» : قرأ حمزة بضم الباء وجر الطاغوت ، والباقون بفتح الباء ونصب «الطَّاغُوتَ». البدور الزاهرة ، ٩٤.
(٨) بقوله ، ب س : ـ م.
(٩) ملتبسين بالكفر ، ب س : ملتبسين به ، م.
(١٠) الجملتان ، ب م : والجملتان ، س.