قوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ ؛) قال ابن عبّاس رضي الله عنه : (أشدّه بضع وثلاثون سنة) وقال : (ثماني عشرة سنة). وذلك أنه صحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة ، والنبيّ صلىاللهعليهوسلم ابن عشرين سنة في تجارته إلى الشام ، وكان لا يفارقه في أسفاره وحضوره. فلما (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ؛) ونبئ رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا ربّه ، (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ؛) أي ألهمني شكر نعمتك ، (الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ؛) بالهداية والإيمان حتى لم أشرك بك شيئا ، (وَعَلى والِدَيَّ ؛) أبي قحافة عثمان بن عمر وأمّي أمّ الخير بنت صخر بن عمر ، قال عليّ رضي الله عنه : (هذه الآية نزلت في أبي بكر أسلم أبواه جميعا ، ولم يجتمع أحد من الصّحابة والمهاجرين أبواه غيره ، وأوصاه الله بهما) (١).
قوله تعالى : (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ ؛) فأجاب الله وأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله ولم يرد شيئا من الخير إلّا أعانه الله عليه ، واستجاب الله في دريّته حين قال : (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ؛) فلم يبق له ولد ولا والد إلّا آمنوا بالله وحده ، قال موسى بن عقبة (٢) : (لم يدرك أربعة النّبيّ صلىاللهعليهوسلم هم وأبناؤهم إلّا هؤلاء : أبو قحافة ، وأبو بكر ، وابنه عبد الرّحمن ، وأبو عتيق بن عبد الرّحمن بن أبي بكر رضي الله عنه) (٣). قال البخاريّ : (أبو عتيق أدرك النّبيّ صلىاللهعليهوسلم).
قوله (وأصلح لي في درّيّتي) أي اجعل أولادي كلّهم صالحين ، وقوله : (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (١٥) ؛ أي إنّي أقبلت إلى كلّ ما يجب وأسلمت لك بقلبي ولساني وإنّي من المخلصين ، فأسلم أبوه وأمّه ولم يبق له ولد إلّا أسلم.
__________________
(١) ذكره القرطبي أيضا في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٦ ص ١٩٤.
(٢) موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي ، مولى آل الزبير ، تابعي روى عن جمع من الصحابة ، وله كتاب المغازي ، قال إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى : كان مالك يقول : (عليكم بمغازي موسى بن عقبة ، فإنه ثقة) وفي رواية أخرى عنه : (عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة ، فإنها أصح المغازي). ترجم له ابن حجر في تهذيب التهذيب : الرقم (٧٢٧٣).
(٣) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ١١٨٦ ، ولم يعزه إلى أحد.