قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا ؛) أي أهل هذه الصّفة الذين يتقبّل عنهم أحسن ما عملوا وهو الطاعات ، (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ ؛) التي سبقت في الجهل ، وقوله تعالى : (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ ؛) أي يدخلون في أصحاب الجنّة وعدا صدقا من الله تعالى ، (الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) (١٦) ؛ به في الدّنيا على ألسنة الرسل.
قوله تعالى : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ؛) نزلت في عبد الرّحمن بن أبي بكر ، قال لأبيه وأمه قبل أن يسلم حين كانا يدعوانه إلى الإسلام ، ويخبرانه بالبعث بعد الموت وهو يأبى ويسيء القول لهما ، فقال لهما : (أُفٍّ لَكُما) أي أفّ قذفا لكما ، كما يقال عند شمّ الرائحة الكريهة ، (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي ؛) أي تخوّفانني أن أخرج من القبر وقد مضت القرون من قبل ولم يخرج أحد منهم من قبره ، أين عبد الله بن جدعان؟ أين فلان وأين فلان؟! (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ ؛) يعني أبويه يدعوان الله له بالهدى ويقولان له : (وَيْلَكَ آمِنْ ؛) أي صدّق بالبعث ، (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) ، بالبعث ، (فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١٧) ؛ فيقول لهما : ما هذا الذي تقولان إلّا أكاذيب الأوّلين (١).
والاستغاثة بالله دعاؤك الله ليغيثك على ما نابك ، والجارّ محذوف ؛ تقديره : يستغيثان بالله. وقرأ القرّاء والأعمش (أن أخرج) بفتح الألف وضمّ الراء (٢).
قال ابن عبّاس : (فلمّا ألحّ عليه أبواه في دعائه إلى الإيمان ؛ قال لهما : أحيوا لي عبد الله بن جدعان ، فإنّه كان شيخا صدوقا ، وأحيوا لي عامر بن كعب ، ومشايخ
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٤١٩١) وإسناده ضعيف ، ولم يسمه. والقصة حكاها مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٢٢٣. والقصة مختلقة من مروان بن الحكم على عبد الرحمن بن أبي بكر ، فاتهمه مروان بهذا حين طلب من أهل المدينة البيعة ليزيد بن معاوية ، فعارضه عبد الرحمن. وكذّبت عائشة رضي الله عنها مروان في ادعائه وزعمه كما أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب التفسير : سورة الأحقاف : الحديث (٤٨٢٧).
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٦ ص ١٩٧ ؛ قال القرطبي : (وقرأ الحسن ونصر وأبو العالية والأعمش) وذكره.