ومثاله : إنّه أشكل على مروان بن الحكم قوله تعالى : (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا)(١).
فقال : لئن كان كلّ امرئ فرح بما أتى ، وأحبّ أن يُحمَد بما لم يفعل معذّباً ، لنعذبنّ أجمعين!
فأرسل إلى ابن عبّاس ، فأخبره ابن عبّاس أنّها نزلت في اليهود لمّا سألهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن شيء فكتموه إيّاه ، وأخبروه بغيره ، وأظهروا له أنّهم أخبروه سؤاله ، واستحمدوا إليه بذلك ، وفرحوا بكتمانهم ما عرفوا(٢).
٣ ـ ومنها دفع توهّم الحصر عمّا يفيد بظاهره الحصر.
مثاله : قوله تعالى : (قُل لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِير فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ)(٣).
رأى الشافعي أنّ الحصر في هذه الآية غير مراد ، فقال :
إنّ الكفّار لمّا حرّموا ما أحلّ الله ، وأحلّوا ما حرّم الله ، وكانوا على المضادّة والمحادّة ، جاءت الآية مناقضة لغرضهم ، فكأنّه قال : لا حلال إلاّ ما حرّمتموه ، ولا حرام إلاّ ما أحللتموه ، والغرض المضادّة ، لا النفي والإثبات على الحقيقة ، فكأنّه قال : لا حرام إلاّ ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به ، ولم يقصر حلّ ما وراءه ، إذ القصّة
__________________
(١) سورة آل عمران ٣ : ١٨٨.
(٢) أسباب النزول للواحدي : ٢٦٨ / ١٥٧.
(٣) سورة الأنعام ٦ : ١٤٥.