فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه، فلقد كسيتم هذا المذهب شيئا قبيحا، حتى صار لا يقال عن حنبلي إلا مجسم، ثم زينتم مذهبكم أيضا بالعصبية ليزيد بن معاوية وقد علمتم أن صاحب المذهب أجاز لعنته. وقد كان أبو محمد التميمي يقول في بعض أئمتكم (١). لقد شان المذهب شينا قبيحا لا يغسل إلى يوم القيامة.
فصل: وقد وقع غلط المصنفين الذين ذكرتهم في سبعة أوجه:
أولها: أنهم سموا الأخبار أخبار صفات وإنما هي إضافات وليس كل مضاف صفة، فإنه قال تعالى: وَ (نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) وليس للّه صفة تسمى روحا، فقد ابتدع من سمى المضاف صفة.
والثاني: أنهم قالوا: هذه الأحاديث من المتشابه الذي لا يعلمه إلا اللّه تعالى، ثم قالوا: نحملها على ظواهرها، فوا عجبا ما لا يعلمه إلا اللّه تعالى أي ظاهر له؛ وهل ظاهر الاستواء إلا القعود وظاهر النزول إلا الانتقال!
والثالث: أنهم أثبتوا للّه سبحانه وتعالى صفات، وصفات الحق جلّ جلاله لا تثبت إلا بما تثبت به الذات من الأدلة القطعية.
والرابع: أنهم لم يفرقوا في الإثبات بين خبر مشهور كقوله صلى اللّه عليه وسلم: «ينزل تعالى إلى سماء الدنيا» وبين حديث لا يصح كقوله: «رأيت ربي في أحسن صورة» بل أثبتوا بهذا صفة وبهذا صفة.
الخامس: أنهم لم يفرقوا بين حديث مرفوع إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وبين حديث موقوف على صحابي أو تابعي، فأثبتوا بهذا ما أثبتوا بهذا.
والسادس: أنهم تأولوا بعض الألفاظ في موضع ولم يتأولوها في موضع كقوله: «ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» قالوا: ضرب مثلا للإنعام.
والسابع: أنهم حملوا الأحاديث على مقتضى الحسّ فقالوا: ينزل بذاته وينتقل ويتحول، ثم قالوا: لا كما نعقل، فغالطوا من يسمع وكابروا الحس والعقل فحملوا الأحاديث على الحسيات.
فرأيت الردّ عليهم لازما لئلا ينسب الإمام أحمد رحمه اللّه إلى ذلك، وإذا سكتّ نسبت إلى اعتقادي ذلك ولا يهولني أمر يعظم في النفوس لأن العمل على الدليل وخصوصا في معرفة الحق تعالى لا يجوز فيها التقليد، وقد سئل الإمام أحمد رحمه اللّه عن مسألة فأفتى فيها فقيل: هذا لا يقول به ابن المبارك فقال: ابن المبارك لم ينزل من السماء، وقال الإمام الشافعي رحمه اللّه تعالى: استخرت اللّه تعالى في الرد على الإمام مالك رحمه اللّه.
ولما صنف هؤلاء الثلاثة كتبا، وانفرد القاضي «أبو يعلى» فصنف الأحاديث ذكرتها على ترتيبه، وقدمت عليها الآيات الشريفة التي وردت في ذلك.
__________________
(١) وهو القاضي أبو يعلى المتقدم. (ز).