بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
بقلم الاستاذ الدكتور محمود حمدى زقزوق
وزير الأوقاف
يعد التراث الاسلامي أكثر غنى وثراء من تراث أي حضارة من الحضارات السابقة من حيث الكيف والكم ، كما أن تأثيره كان ولايزال واسع الانتشار في داخل العالم الإسلامي وفي خارجه. وقد اهتم المستشرقون به اهتماما بالغاً كما تشهد بذلك المخطوطات العربية الاسلامية التي تذخر بها المكتبات الكبرى في العواصم الأوروبية.
ويشتمل التراث الاسلامي على كل مجالات العلوم والفنون. ويعبر أصدق تعبير عما وصل إليه المسلمون في حضارتهم من رقى وازدهار. وقد كان هذا العطاء العلمي الإسلامي هو الذي دفع أوروبا في العصر الوسيط إلى السير في طريق النهوض والتقدم ، حيث بادرت منذ بدايات القرن الحادي عشر الميلادي إلى ترجمة الكثير منه إلى اللغة اللاتينية. وذلك يبين لنا أنه تراث انساني شامل ليس محدود المكان او الاثر.
وعندما نتأمل هذا التراث العظيم ـ الذي لا يزال الكثير منه غير منشور ـ نجد التنوع الكبير الذي يدل على عقلية متوقدة ، وذهن متفتح ، يسع الانسان أينما كان وأنى كان ـ ولكننا نتبين أيضاً أمراً هاماً وهو أن القرآن الكريم كان بالنسبة للمسلمين بعثابة المحور الذي دارت حوله بحوثهم وجهودهم العلمية من باديء الأمر. فقد أنصب اهتمامهم على العناية بكتاب الله حفظاً وفهماً وتفسيراً. وأدى ذلك إلى اهتمامهم بالسنة النبوية التي تعد تفصيلاً وتوضيحاً لما جاء مجملاً في القرآن الكريم ، ومزيداً من البيان للعديد من الجوانب التي اشتمل عليها من امور الدين والدنيا على السواء مصداقاً لقوله تعالى : (وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للنّاس ما نزّل إليهم) (١).
كما جاءت جهود علماء العقيدة والفقه الاسلامي والتصوف والاخلاق والعلوم اللغوية معبرة عن بالغ الاهتمام بالقرآن الكريم والحرص على فهم تعاليمه ، مؤصلة علوماً جديدة لم يكن لها وجود قبل ذلك.
وانطلق علماء العلوم الكونية والانسانية يبحثون في ضوء ما أشار اليه القرآن الكريم من آيات كونية وانسانية تبين قدرة الله فيى هذا الوجود ، فقد بين القرآن الكريم أن الله
__________________
(١) سورة النحل : ٤٤.