قد سخر هذا الكون كله بأرضه وسمائه وما بينهما للانسان مصداقاً لقوله تعالى : (وسخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً تنه إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون) (١).
وعلى الانسان أن يبذل كل جهوده وطاقاته الفكرية في سبيل اكتشاف القوانين التي تحكم سير هذا الوجود ، ومعرفة آيات الله في هذا الكون ، والتي تشير جميعها إلى عظمة الخالق وقدرته : (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنّه الحق) (٢).
وفي ظل القرآن الكريم وهدايته تطورت على أيدي علماء المسلمين علوم الرياضيات والفلك والطب والفلسفة وغيرها من علوم نافعة.
وهكذا كان القرآن الكريم هو الدافع الاول لكل ما حققه المسلمون في السابق من تقدم حضارى باهر. ولا يزال القرآن يقوم عطاءه الممدود والمتواصل لكل من يريد أن يغترف من معينه الفياض.
ومن هنا لا نعجب إذا وجدنا علماء المسلمين في السابق واللاحق يبذلون جهوداً فائقة في تفسير القرآن الكريم ، وشرح تعاليمه ، والاهتمام الكبير بكل ما يتصل به من فريب أو من بعيد ، وقد تعددت التفاسير وتنوعت مناهج المفسرين ، ولم ينقطع هذا الجهد المبذول في تفسير القرآن الكريم حتى يومنا هذا. فالعطاء موصول ومتجدد والقرآن الكريم (لا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه).
والمجلس الاعلى للشئون الاسلامية ـ من خلال لجنة إحياء التراث ـ يبيذل جهوداً فائقة في سبيل إحياء التراث الاسلامي بصفة عامة ، وتحقيق العديد من المخطوطات في تفسير القرآن الكريم بصفة خاصة. وتفاسير القرآن ـ كما هو معروف ـ منها المطول ، ومنها المختصر ، ومنها الوسيط ، ومنها ما يهتم بالاحكام الفقهية ، ومنها ما يهتم بايراد الاحاديث النبوية الشارحة ، ومنها ما يهتم بالجانب البياني أو العقدي ومنها ما يهتم بالاعجاز العلمي ... إلخ.
والكتاب الذي نقدمه اليوم إلى القارئ الكريم هو كتاب (الوسيط في تفسير القرآن المجيد) للامام أبى الحسن علي بن أحمد الواحدي (المتوفي ٤٦٨ هـ) وهو من المفسرين الذين لهم باع طويل في التفسير. فقد ألف فيه (البسيط) و (الوسيط) و (الوجيز).
__________________
(١) سورة الجاثية : ١٢.
(٢) سورة فصلت : ٥٢.