وقوله : (وَمَكَرَ اللهُ)
قال المفسّرون : «مكر الله بهم» : إلقاء شبه عيسى على من دلّ عليه ، حتّى صلب بدله (١).
قال ابن عبّاس : وذلك أنّ ((٢) واحدا من أصحابه (٢)) ، ممّن آمن به نافق ، ودلّ عليه ، فجعله الله تعالى فى صورة عيسى ، فأخذ وصلب.
وقوله : (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ)
: أى أفضل المجازين بالسّيّئة العقوبة ؛ ((٣) لأنّه لا أحد أقدر على ذلك منه (٣)).
٥٥ ـ قوله : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ)
: أى قابضك من الأرض وافيا تامّا ، من غير أن تنال اليهود منك شيئا. وهذا قول الحسن والكلبىّ وابن جريج (٤).
وقال ابن عبّاس فى رواية عطاء : هذا مقدّم ومؤخّر ، يريد : إنّى رافعك إلىّ ومتوفّيك ، بعد أن أهبطك إلى الأرض ، حتّى تكون فيها وتتزوّج ، ويولد لك حتّى تموت (٥).
وهذا اختيار الفرّاء (٦) قال : يقال : إنّ هذا مقدّم ومؤخّر. المعنى : إنّى رافعك إلىّ ومطهّرك من الّذين كفروا ، ومتوفّيك بعد إنزالي إيّاك إلى الدّنيا.
وقوله : (وَرافِعُكَ إِلَيَ)(٧)
__________________
(١) قال الواحدى : وَمَكَرَ اللهُ : أى جازاهم الله على مكرهم بإلقاء شبه عيسى على من دل عليه ، حتى أخذ وصلب» : (الوجيز فى التفسير للواحدى ١ : ١٠٠).
(٢ ـ ٢) ب : «أحد أصحابه».
(٣ ـ ٣) الإثبات عن ج ، و (الوجيز فى التفسير للواحدى ١ : ١٠٠). وقول المصنف فى تفسير «المكر» قريب من قول الزجاج حيث قال : «المكر من الخلائق خبث وخداع ، والمكر من الله بمعنى المجازاة على ذلك ، فسمى باسمه لأنه مجازاة عليه ، كما قال تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [سورة البقرة : ١٥] ، فجعل مجازاتهم على الاستهزاء بالعذاب ، لفظه لفظ الاستهزاء ، وكما قال سبحانه : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [سورة الشورى : ٤٠] ، فالأولى سيئة ، والمجازاة عليها ليست فى الحقيقة سيئة» (معانى القرآن للزجاج ١ : ٤٢٤).
(٤) كما فى (تفسير القرطبى ٤ : ١٠٠) و (تفسير ابن كثير ٢ : ٣٨) و (الدر المنثور ٢ : ٤٦) و (تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ١٠٦) و (تفسير الطبرى ٦ : ٤٥٨) وعلى هذا القول ليست الوفاة فى الآية وفاة موت ، إنما هى من التوفى بمعنى القبض.
(٥) (تفسير القرطبى ٤ : ١٠٠) وفى (الدر المنثور ٢ : ٢٢٥) عن قتادة أيضا ، وانظر تفصيل ذلك فى (تفسير ابن عطية ٣ : ١٤٣).
(٦) وكذا الزجاج ، كما فى (معانى القرآن للفراء ١ : ٢١٩) و (معانى القرآن للزجاج ١ : ٤٢٥).
(٧) (الوجيز للواحدى ١ : ١٠٠) وحاشية ج : «قوله : إِلَيَّ : أى إلى سمائى ، ومحل كرامتى ، فجعل ذلك رفعا إليه للتفخيم والتعظيم ، كقوله : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) [سورة الصافات : ٩٩] ، والحال أنه ذاهب إلى الشام ، والمعنى إلى أمر ربى».