٧٨ ـ قوله : (وَإِنَّ مِنْهُمْ) يعنى : من اليهود (لَفَرِيقاً) : جماعة (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ)(١)
قال مجاهد والرّبيع وقتادة : يحرّفونه (٢) بالتّغيير والتّبديل ؛ وذلك أنّهم يلوون ألسنتهم عن سنن (٣) الصّلوات ، بما يأتون به من عند أنفسهم.
وقوله : (لِتَحْسَبُوهُ)
: أى لتحسبوا مالووا ألسنتهم به ، ممّا حرّفوه وبدّلوه (مِنَ الْكِتابِ) قال الله تعالى : (وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ ..) الآية (٤).
٧٩ ـ قوله : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ ..) الآية.
قال ابن عباس فى رواية الكلبىّ : إنّ اليهود والنّصارى احتجّوا أنّهم أولى بإبراهيم ودينه ، وذكروا ذلك للنّبىّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ؛ فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «كلا الفريقين منه ومن دينه برىء» ، فغضبوا وقالوا :
يا محمد ، (٥) والله ما تريد إلّا أن نتّخذك ربّا ؛ فأنزل الله عزوجل هذه الآية (٦).
قال قتادة : يقول : ما ينبغى لبشر أن يؤتيه الله الكتاب (وَالْحُكْمَ)
يعنى : الفقه والعلم (٧) (وَالنُّبُوَّةَ [ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ]) ، ثمّ يأمر عباد الله أن يتّخذوه ربّا من دون الله.
والمعنى : ما كان لبشر أن يجمع بين هذين ؛ بين النّبوّة ، وبين دعاء الخلق إلى عبادة غير الله.
__________________
(١) حاشية ج : «قرئ : يلوون مشددا ، ويكون قلبوا الواو المضمومة همزة ، ثم حذفوها تخفيفا ، وألقوا حركتها على الساكن قبلها. ولوى لسانه عن كذا : أى غيره».
فى (تفسير القرطبى ٤ : ١٢١): «وقرأ أبو جعفر وشيبة : يلوون على التكثير ..».
(٢) كما فى (تفسير الطبرى ٦ : ٥٣٥) و (تفسير ابن كثير ٢ : ٥٤) و (الدر المنثور ٢ : ٤٦).
(٣) السّنن : الطريقة : (اللسان ـ مادة : سنن).
(٤) تمام الآية : (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
(٥) أ ، ب : «والله يا محمد».
(٦) لعل المصنف يشير بهذا إلى السبب فى نزول الآية رقم ٨٣ من هذه السورة ، وهو قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ).
أما سبب نزول هذه الآية فهو ما ذكره الواحدى عن ابن عباس فى رواية الكلبى وعطاء : أن أبا رافع اليهودى والربيس من نصارى نجران ، قالا : يا محمد ، أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا؟ فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «معاذ الله أن نعبد غير الله ، أو نأمر بعبادة غير الله ، ما بذلك بعثنى ، ولا بذلك أمرنى» ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية : (أسباب النزول للواحدى ١٠٨) وبنحوه فى (الوجيز فى التفسير للواحدى ١٠٦ ـ ١٠٧) و (أسباب النزول للسيوطى ٤٠) و (الدر المنثور ٢ : ٤٦ ـ ٤٧) و (سيرة ابن هشام ١ : ٥٥٤) ، و (تفسير الطبرى ٦ : ٥٣٩) و (تفسير ابن كثير ٢ : ٥٤).
(٧) (اللسان ـ مادة : حكم) كقوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) : أى علما وفقها ، هذا ليحيى بن زكريا ـ عليهماالسلام ـ.