بعضا ، وأن يبلّغوا كتاب الله ورسالاته إلى عباده ؛ فبلّغت الأنبياء ، وأخذوا مواثيق أهل الكتاب فى كتابهم : أن يؤمنوا بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويصدّقوه وينصروه ؛ وذلك قوله :
(لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ)
«ما» ـ هاهنا ـ بمعنى الشّرط والجزاء ، (١) المعنى : لئن آتيتكم ، ومهما آتيتكم شيئا من كتاب وحكمة.
وقرأ حمزة : لما كسر اللّام ، (٢) وهى متعلّقة بالأخذ ؛ لأنّ المعنى : أخذ الله ميثاقهم لما أوتوا من الكتاب والحكمة : أى لأنّهم الأفاضل وأصحاب الكتب والشّرائع.
وقرأ نافع : آتيناكم بالمدّ ، (٣) وحجّته قوله : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) ، (٤) (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) ، (٥) (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ)(٦).
وقوله : (ثُمَّ جاءَكُمْ) يعنى : ثم جاء أممكم وأتباعكم. وخرج الكلام على النّبيّين ؛ لأنّ ما لزمهم لزم أممهم.
وقوله : (رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ)
يعنى : محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ جاء بالقرآن يصدّق التّوراة فى الأخبار والأقاصيص.
قوله : (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) يريد : إن أدركتموه (قالَ أَأَقْرَرْتُمْ) : أى قال الله للنّبيّين : أأقررتم بالإيمان به والنّصرة له؟ (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي)
__________________
(١) وهو أجود كما قال الزجاج .. واللام دخلت فى «ما» كما تدخل فى «إن» التى هى للجزاء إذا كان فى جواب القسم. (معانى القرآن للزجاج ١ : ٤٤٥).
(٢) وتخفيف الميم [فى قوله تعالى : (لَما آتَيْتُكُمْ) على أنها لام الجر متعلقة ب «أَخَذَ» و «ما» مصدرية : أى لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة ، ثم مجىء رسول الله .. إلخ ، وافقه الحسن والأعمش ؛ [وقرأ] الباقون بالفتح ، على أنها لام الابتداء ، ويحتمل أن تكون للقسم ؛ لأن أخذ الميثاق فى معنى الاستحلاف ، و «ما» شرطية منصوبة ب آتَيْتُكُمْ ، وهو ومعطوفه ب (ثُمَّ) جزم بها ، على ما اختاره سيبويه. (إتحاف فضلاء البشر ١٧٧) وانظر (السبعة فى القراءات ٢١٤) و (معانى القرآن للفراء ١ : ٢٢٥) و (معانى القرآن للزجاج ١ : ٤٤٤ ـ ٤٤٦).
(٣) وبالنون والألف بعدها بضمير المعظم نفسه ، وكذا أبو جعفر ، وافقهما الحسن ؛ [وقرأ] الباقون : بتاء مضمومة بلا ألف : (إتحاف فضلاء البشر ١٧٧) وانظر توجيه القراءتين فى (معانى القرآن للزجاج ١ : ٤٤٦).
(٤) سورتى النساء : ١٦٣ ، والإسراء : ٥٥.
(٥) سورة مريم : ١٢.
(٦) سورة الصافات : ١١٧.