وقوله : (وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ).
يجوز أن يريد ما بيّن لهم فى التّوراة والإنجيل ، وهو قول ابن عبّاس. ويجوز أن يريد ما أتى به النّبىّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من الكتاب ، والآيات ، والمعجزات.
وقوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(١)
قال ابن عبّاس : لا يرشد من نقض عهود الله وظلم نفسه.
٨٩ ـ وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ)(٢)
قال ابن عبّاس : رجعوا إلى الإيمان بالله ، والتّصديق بنبيّه صلىاللهعليهوسلم (وَأَصْلَحُوا) أعمالهم.
وقال الزّجّاج (٣) معنى (أَصْلَحُوا) : أظهروا / للنّاس أنّهم كانوا على ضلال ، وأصلحوا ما كانوا أفسدوه من تغريرهم من تبعهم ممّن لا علم عنده.
(فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
أعلم الله تعالى أنّ من سعة رحمته وتفضّله أن يغفر لمن اجترئ عليه هذا الاجتراء ؛ وذلك أنّ الذى فعلوا لا غاية وراءه فى الكفر ؛ وهو أنّهم كفروا بعد تبيّن الحقّ لهم.
٩٠ ـ قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ)
قال ابن عبّاس : نزلت فى اليهود كفروا بعد إيمانهم بمحمد قبل بعثته (٤) (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) بالإقامة على كفرهم ، حتى هلكوا عليه.
__________________
(١) بعد هذا النص القرآنى قوله تعالى : (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ).
قد تقدم تفسيرهما عند الآيتين رقم ١٦١ ، ١٦٢ من سورة البقرة فى الجزء الأول من هذا الكتاب صفحة (٢٣٠).
(٢) حاشية ج : «[وذلك] أن الحارث بن سويد ـ لما لحق بالكفار ندم ، فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هل لى [من] توبة؟ ففعلوا ذلك ؛ فأنزل الله تعالى : إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ، فحمل الآية المذكورة رجل من قومه ، وقرأها عليه ، فقال الحارث : إنك والله ما علمت لصدوق ، وإن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأصدق منك ، وإن الله عزوجل لأصدق الثلاثة ؛ فخرج الحارث إلى المدينة ، وأسلم ، وحسن إسلامه ـ من المعالم» ، وبنحوه فى (أسباب النزول للواحدى ١٠٩ ـ ١١٠) و (الدر المنثور ٢ : ٤٩) و (تفسير الطبرى ٦ : ٥٧٣) و (تفسير ابن كثير ٢ : ٥٩).
(٣) كما جاء بنحوه فى (معانى القرآن للزجاج ١ : ٤٤٩).
(٤) ج : «كفروا بمحمد بعد ..» اختار الطبرى : أن الآية نزلت فى اليهود ، كفروا بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عند مبعثه ، بعد إيمانهم به قبل مبعثه ، ثم ازدادوا كفرا بما أصابوا من الذنوب فى كفرهم ، ومقامهم على ضلالتهم ، فهؤلاء لن تقبل توبتهم من ذنوبهم حتى يتوبوا من كفرهم ، وهو قول أبى العالية : (تفسير الطبرى ٣ : ٣٤٤) وانظر قول أبى العالية فى (أسباب النزول للواحدى ١١٠) و (تفسير القرطبى ٤ : ١٣٠).