علّة لصحّة الفعل ، والعلّة لا تختلف حكمها شاهدا وغائبا ، وكذلك صادفنا إحكاما واتقانا في الأفعال وسبرنا ما لأجله يصحّ الإحكام والإتقان من الفاعل ، فلم نجد إلّا كونه عالما ، وكذلك رأينا الاختصاص ببعض الجائزات دون البعض مع تساوي الكل في الجواز ، وسبرنا ما لأجله يصحّ الاختصاص فلم نجد إلّا كونه مريدا ، ثم لم يتصوّر وجود هذه الصفات إلّا وأن يكون الموصوف بها حيّا لأنّ الجماد لا يتصوّر منه أن يكون قادرا أو عالما ، فقلنا القادر حيّ ، وأيضا فإنّا لو لم نصفه بهذه الصفات لزمنا وصفه بأضدادها من العجز والجهل والموت ، وتلك نقائص مانعة من صحّة الفعل المحكم ، ويتعالى الصانع عن كل نقص (ش ، ن ، ١٧١ ، ٢)
ـ إنّ القادر على الحقيقة من يكون قادرا على الضدّين ، والكلام معنى له أضداد ، فإذا قالوا المتكلّم من فعل الكلام ، يلزمهم أن يقولوا الساكت من فعل السكوت حتى لو خلق سكوتا في محل كان ساكتا ، ولو خلق أمرا في محل كان آمرا ، ولو خلق خبرا في محل كان مخبرا ، ثم من الأوامر ما يكون خيرا ومنه ما يكون شرّا ومن الأخبار ما يكون صدقا ومنه ما يكون كذبا ، فيلزمهم إضافة الكل إلى الله تعالى وهو محال (ش ، ن ، ٢٨٥ ، ٦)
ـ ثبت افتقار العالم إلى مؤثّر ، فذلك المؤثّر إمّا أن يقال صدر الأثر عنه مع امتناع أن لا يصدر أو صدر مع جواز أن لا يصدر ، والأوّل باطل لأنّ تأثيره في وجود العالم إن لم يتوقّف على شرط ، لزم من قدمه قدم العالم وقد أبطلناه ، وإن توقّف على شرط فذلك الشرط إن كان قديما عاد الإلزام ، فإن كان محدثا كان الكلام في حدوثه كالكلام في الأوّل ولزم التسلسل إمّا معا وهو محال ، أو لا إلى أوّل. فيلزم منه حوادث لا أوّل لها وهو محال ، ولما بطل هذا القسم ثبت الثاني ولا نعني بالقادر إلّا ذلك (ف ، م ، ١١٩ ، ١٦)
ـ قولنا (الرازي) : القادر يجب أن يكون متردّدا بين الفعل والترك إنّما يصحّ أن لو كان الفعل والترك مقدورين ، لكنّ الترك محال أن يكون مقدورا ، لأنّ الترك عدم ، والعدم نفي محض ، ولا فرق بين قولنا لم يكن مؤثّرا ، وبين قولنا أثّر فيه تأثيرا عدميّا ، ولأنّ قولنا ما أوجد معناه أنّه بقي على العدم الأصليّ ، فإذا كان العدم الحاليّ عين ما كان استحال استناده إلى القادر ، لأنّ تحصيل الحاصل محال ، فثبت أنّ الترك غير مقدور ، وإذا كان كذلك استحال أن يقال القادر هو الذي يكون متردّدا بين الفعل والترك. فإن قلت الترك هو فعل الضدّ ، فالقادر متردّد بين فعل الشيء وبين فعل ضدّه ، قلت فيلزمك أن لا يخلو القادر عن فعل أحد الضدّين ، فيلزمك إمّا قدم العالم أو قدم ضدّه وأنت لا تقول به (ف ، م ، ١٢٠ ، ٢٣)
ـ العالم ـ لا محالة ـ على غاية من الحكمة والإتقان ، وهو ـ مع ذلك ـ جائز وجوده وجائز عدمه ، فما خصّصه بالوجود يجب أن يكون مريدا له ، قادرا عليه ، عالما به. كما وقع به الاستقراء في الشاهد ، فإنّ من لم يكن قادرا لم يصحّ منه صدور شيء عنه ، ومن لم يكن عالما ، وإن كان قادرا لم يكن ما صدر عنه على نظام الحكمة والإتقان ، ومن لم يكن مريدا لم يكن تخصيص بعض الجائزات عنه بأحوال وأوقات ، دون البعض بأولى من العكس إذ نسبتها إليه نسبة واحدة (م ، غ ، ٤٥ ، ٣)